وقد حاولت في هذا البحث استخراج القواعد والوسائل التي تعين على تمييز الراوي المهمل، وتحديده، ومن المراد به إذا ورد في هذا الإسناد أو ذاك.
وقدمت لذلك بمقدمة موجزة، ثم ذكرت تعريف المهمل، والمبهم، والفرق بينهما، ثم ذكرت ما توصلت إليه من هذه الوسائل، مستعيناً بعدد من كتب المصطلح، والشروح الحديثية، وكتب الرجال وغيرها.
وقد بلغ عددها حوالي عشر وسائل وضوابط كلية، ويندرج تحت بعضها عدة وسائل فرعية.
وخلاصة ما ذكرته أنه يمكن تمييز المهمل عن طريق عدة وسائل، فمنها: أن يعرف المهمل عن طريق الراوي عنه. كأن يكون مشهوراً بالرواية عنه، أو مختصاً به، أو لا يروي عن غيره، وغير ذلك.
ومنها أن يُعرف المهمل عن طريق شيخه، وفيه عدة وسائل تندرج تحته.
كما يعرف المهمل عن طريق التخريج، أو طبقته، أو بلده، أو غير ذلك من طرق أخرى مذكورة بالتفصيل مع أدلتها والأمثلة عليها في ثنايا البحث.
هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدمة:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
] يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لاَ تَمُوتُنَّ إِلاَ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون [.
] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم الَّذِيْ خَلَقَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرَاً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِيْ تَسَآلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً [.
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدَاً يُصْلِح لَكُمْ أَعْمَالَكُم وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً [.
أما بعد:
فإن تمييز الراوي المهمل الذي يرد في بعض الأسانيد، أمر ليس باليسير، وقد يستغرق من الباحث وقتاً طويلاً لتحديد هذا الراوي وتعيينه، وقد لا يُوفق كل باحث لهذا الأمر.
ولما نظرت في كتب المصطلح، لم أر من وضع قواعد ووسائل متكاملة تعين في تمييز الرواة المهملين، وإنما وجدت فوائد قليلة ومنثورة في بعض هذه الكتب وغيرها، تبعاً لبعض الحالات المشكلة من ذلك، ومن ثم التصدي لحلها، كما سيأتي بالتفصيل.
كما لم أر من أفرد هذه القواعد والوسائل ببحث مستقل يجمعها.
لذا فقد استعنت بالله وبدأت بالكتابة في هذا الموضوع، وحاولت أن ألم شتاته، وأجمع ما تفرق منه مستعيناً – بعد الله–بما وجدته في كتب المصطلح، والرجال، والشروح الحديثية، وغيرها، وبما طبقه علماء الحديث عملياً لتعيين الرواة المهملين.
وفي الختام فهذا جهد متواضع، في موضع مهم وشائك، أرجو أن أكون قد وفيته حقه من الدراسة والبحث، وأن تكون النتائج التي توصلت إليها صائبة، أو قريبة من الصواب، وميسرة للباحثين تعيين وتحديد الرواة المهملين.
وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكون ذا فائدة لطلاب علم السنة النبوية وأعتذر عما فيه من قصور وخلل؛ فهذا مما لا ينفك عنه بشر.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المبحث الأول: تعريف المهمل والفرق بينه وبين المبهم
تعريف المهمل:
المهمل هو: من لم يتميز عن غيره. سواءً ذُكر باسمه أو كنيته أو لقبه، وذلك لوجود من يشاركه في هذا الاسم أو الكنية أو اللقب.
فإن كان لا يشترك معه غيره في أحد هذه الأمور فحينئذ لا يعتبر مهملاً.
ومثاله: أن الإمام البخاري – رحمه الله – له أكثر من شيخ اسمه إسحاق، ونجده في بعض الأحيان يقول: حدثنا إسحاق ولا ينسبه. فهنا نقول إن إسحاق ورد مهملاً.
وكما لو وجدنا إسناداً ورد فيه ذكر سفيان غير منسوب، فهنا لا ندري هل المراد به الثوري أو ابن عيينة ([1])، أو ورد فيه حماد غير منسوب، فلا ندري هل هو ابن سلمة أو ابن زيد، وهكذا.
ومن أبرز من عُرف من المتقدمين اعتناؤه بهذا النوع من علم الرجال الإمام الحافظ الخطيب البغدادي (ت 4639هـ) وأبو علي الجياني الأندلسي (ت498هـ).
¥