فأجاب بقوله: أما سفيان الذي روى عنه عبدالرزاق، فهو الثوري؛ لأنه أخص به من ابن عيينة، ولأنه إذا روى عن ابن عيينة ينسبه، وإذا روى عن الثوري فتارة ينسبه وتارة لا ينسبه، وحين لا ينسبه إما يكتفي بكونه روى له عن شيخ لم يرو عنه ابن عيينة، فيكتفي بذلك تمييزاً، وهو الأكثر، وإما يكتفي بشهرته واختصاصه به.
وهذه القاعدة جارية في غالب من يروي عن سميَّين أو يروي عنه سميّان ([8]).
وقال الحافظ ابن حجر في أحد روايات وكيع عند البخاري عن سفيان مهملاً: سفيان هو الثوري؛ لأن وكيعاً مشهور بالرواية عنه، ولو كان ابن عيينة لنسبه؛ لأن القاعدة في كل من روى عن مُتَفقي الاسم أن يحمل من أهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه، كما قدمناه قبل هذا، وهكذا نقول هنا؛ لأن وكيعاً قليل الرواية عن ابن عيينة بخلاف الثوري ([9]).
وقال الحافظ أيضاً: إن أبا نعيم مشهور بالرواية عن الثوري، معروف بملازمته، وروايته عن ابن عيينة قليلة، وإذا أطلق اسم شيخه حُمل على من هو أشهر بصحبته، وروايته عنه أكثر … وهذه قاعدة مطردة عند المحدثين في مثل هذا … الخ ([10]).
وقال الحافظ أيضاً: المهمل إنما يُحمل على من يكون لمن أهمله به اختصاص ([11]).
وقال أيضاً: القاعدة في المتفق إذا وقع مهملاً أن يُحمل على من للراوي عنه اختصاص ([12])، كما ذكره الخطيب في كتابه «المكمل في بيان المهمل» ([13]).
وقال أيضاً في رواية لأبي نعيم عن سفيان: أبو نعيم وإن كان روى عن سفيان بن عيينة، لكنه إذا روى عنه ينسبه وإذا روى عن الثوري ينسبه تارة ولا ينسبه أخرى، فإذا لم ينسب سفيان فهو الثوري؛ لأن الإطلاق ينصرف إلى من يكون المطلق أشد له ملازمة وأكثر عنه رواية، وأبو نعيم معروف بالرواية عن الثوري، قليل الرواية عن ابن عيينة ([14]).
ب ـ أو يكون عُرف من عادة أحد الرواة أنه إذا أطلق اسم شيخه مهملاً فيعني به أحدهما دون الآخر. ويُعرف هذا بالاستقراء أو بتصريح من الراوي نفسه.
ومثاله ما ذكره الرامهرمزي وغيره في الحمادين.
قال الرامهرمزي: إذا قال عارم: حدثنا حماد، فهو حماد بن زيد، وكذلك سليمان بن حرب، وإذا قال التبوذكي: حدثنا حماد فهو حماد بن سلمة، وكذلك الحجاج بن منهال. وإذا قال عفان: حدثنا حماد، أمكن أن يكون أحدهما ([15]).
وروى الذهلي عن عفان، قال: إذا قلت لكم: حدثنا حماد، ولم أنسبه فهو ابن سلمة ([16]).
وقال المزي: إلا أن عفان لا يروي عن حماد بن زيد إلا وينسبه في روايته عنه، وقد يروي عن حماد بن سلمة فلا ينسبه، وكذلك حجاج بن منهال، وهُدْبَة بن خالد، وأما سليمان بن حرب فعلى العكس من ذلك، وكذلك عارم ([17]).
وسئل المزي عن قول النسائي في مواضع: أخبرنا محمد بن منصور، أخبرنا سفيان، عن الزهري، وللنسائي شيخان كلٌ منهما محمد بن منصور، ويروي عن ابن عيينة، أحدهما أبو عبدالله الجواّز، والثاني أبو جعفر الطوسي العابد، فمن الذي عناه النسائي منهما؟.
فأجاب بقوله: أما محمد بن منصور الذي يروي عنه النسائي ولا ينسبه، فهو المكي، لا الطوسي، وقد روى النسائي عن الطوسي عن أبي المنذر إسماعيل بن عمر، والحسن بن موسى الأشيب، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، وينسبه في عامة ذلك ولا أعلمه روى عنه عن ابن عيينة شيئاً ([18]).
وقال الحاكم: أبو إسحاق عمرو بن عبدالله السبيعي، وأبو إسحاق سليمان بن فيروز الشيباني، وأبو إسحاق إسماعيل بن رجاء الزبيدي، وأبو إسحاق إبراهيم بن مسلم الهجري، قد رووا كلهم عن عبدالله بن أبي أوفى، وقد روى عنهم الثوري وشعبة. وينبغي لصاحب الحديث أن يعرف الغالب على روايات كل منهم، فيتميز حديث هذا من ذلك. والسبيل إلى معرفته أن الثوري وشعبة إذا رويا عن أبي إسحاق السبيعي لا يزيدان على أبي إسحاق فقط … وإذا رويا عن أبي إسحاق الشيباني فإنهما يذكران الشيباني في أكثر الروايات… وأما الزبيدي فإنهما في أكثر الروايات يسميانه ولا يُكنّيانه، إنما يقولان: إسماعيل بن رجاء … الخ ([19]).
وقال الجياني – بعد ذكره لإخراج البخاري عن إسحاق مهملاً - قال: والأشبه عندي أنه إسحاق بن منصور فإن البخاري إذا حدّث عنه كثيراً ما يبهمه ولا ينسبه ([20]).
¥