وقال الذهبي: ويقع هذا الاشتراك سواء في السفيانين، فأصحاب سفيان الثوري كبار قدماء، وأصحاب ابن عيينة صغار لم يدركوا الثوري، وذلك أبين، فمتى رأيت القديم قد روى، فقال: حدثنا سفيان، وأبهم، فهو الثوري، وهم: كوكيع وابن مهدي، والفريابي، وأبي نعيم. فإن روى واحد منهم عن ابن عيينة بينه، فأما الذي لم يلحق الثوري، وأدرك ابن عيينة فلا يحتاج أن ينسبه لعدم الالتباس، فعليك بمعرفة طبقات الناس ([30]).
6 - عن طريق النظر في كيفية تحديث الراوي المهمل عن شيخه.
ويتضمن هذا عدة صور:
أ – فقد يكون من عادة الراوي المهمل استخدام صيغة واحدة من صيغ التحديث، لا يستعمل غيرها.
وقد عُرف عن بعض الرواة أنهم يقتصرون على صيغة واحدة فقط، فلو وجدنا أحد المهملين ذكر صيغة أخرى لترجح أنه غير الأول، وهكذا.
ففي الحمادين مثلاً، عُرف أن من عادة حماد بن سلمة أنه يقول: أخبرنا، ولا يقول: حدثنا.
فلو وجدنا رواية لحماد مهملاً، وكانت صيغة التحديث: «حدثنا» ولم نجد مرجحات أخرى، لترجح أن حماد هو ابن زيد لأن ابن سلمة لا يقول هذه الصيغة في الغالب.
وقد كانت هذه عادة عدد من الأئمة، أنهم كانوا يقولون: أخبرنا، ولا يقولون: حدثنا.
قال الخطيب: وكان حماد بن سلمة، وهشيم بن بشير، وعبدالله بن المبارك، وعبدالرزاق بن همام، ويزيد بن هارون ويحيى بن يحيى النيسابوري، وإسحاق بن راهويه، وعمرو بن عون، وأبو مسعود أحمد بن الفرات، ومحمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس، يقولون في غالب حديثهم الذي يروونه: «أخبرنا»، ولا يكادون يقولون: «حدثنا» ([31]).
وقال نعيم بن حماد: ما رأيت ابن المبارك يقول قط: «حدثنا»، كأنه يرى «أخبرنا» أوسع ([32]). وقال أبو حاتم: لم أسمع عبيدالله بن موسى يقول: «حدثنا»، كان يقول: «أخبرنا» ([33]).
ولذا فقد طبق هذه القاعدة الحافظ ابن حجر على كثير من الرواة المهملين.
فقد أخرج البخاري حديثاً، فقال فيه: حدثنا إسحاق، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ([34]).
قال الحافظ ابن حجر: إسحاق، هو ابن إبراهيم، المعروف بابن راهويه، وإنما جزمت بذلك مع تجويز أبي علي الجياني أن يكون هو، أو إسحاق بن منصور؛ لتعبيره بقوله: «أخبرنا يعقوب بن إبراهيم»، لأن هذه العبارة يعتمدها إسحاق بن راهويه، كما عُرف بالاستقراء من عادته أنه لا يقول إلا: «أخبرنا» ولا يقول: «حدثنا»، وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من مسند إسحاق بن راهويه، وقال: أخرجه البخاري عن إسحاق انتهى ([35]).
وأخرج البخاري حديثاً آخر، وقال فيه: حدثنا إسحاق، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ([36]).
فقال الحافظ ابن حجر: التعبير بالإخبار قرينة في كون إسحاق هو ابن راهويه؛ لأنه لا يُعبر عن شيوخه إلا بذلك ([37]).
وأخرج البخاري عن إسحاق قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم ([38]).
فقال الحافظ ابن حجر: إسحاق نسبه الأصيلي وابن السكن: «ابن منصور»، وقد أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن يعقوب أيضاً، ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج، لكن يرجح كونه «ابن منصور» أن ابن راهويه لا يُعبر عن مشايخه إلا بصيغة: «أخبرنا» ([39]).
وقال البخاري: حدثني إسحاق، حدثنا عبدالصمد ([40]).
قال الحافظ ابن حجر: إسحاق، هو ابن منصور، وتردد أبو علي الجياني بينه وبين إسحاق بن راهويه، وإنما جزمت به لقوله: «حدثنا عبدالصمد» فإن إسحاق لا يقول إلا «أخبرنا» ([41]).
وأخرج البخاري حديثاً فقال: حدثنا محمد، أنبأنا أبو معاوية ([42]).
فرجح الحافظ ابن حجر أنه محمد بن سلام، وقال: ويؤيده أنه عبر بقوله «أنبأنا أبو معاوية»، ولو كان ابن المثنى لقال: «حدثنا» لما عُرف من عادة كل منهما ([43]).
وبنحو ما تقدم سار الحافظ على هذا الترجيح في عدد من المواضع في الفتح ([44]).
وقال الحافظ أيضاً: إن إسحاق إذا جاء في البخاري غير منسوب احتمل أن يكون ابن منصور، واحتمل أن يكون ابن راهويه، ويتميز بأن يُنظر في الصيغة، فإن كانت «أخبرنا» تعين أن يكون ابن راهويه، وإلا فهو ابن منصور، فقد أورد البخاري عن إسحاق بن إبراهيم عن يعقوب بن إبراهيم عدة أحاديث، ومعبراً بصيغة أخبرنا، وينسب إسحاق فيها فُيحمل ما أطلقه عليه، مع قرينة الإتيان بصيغة أخبرنا ([45]).
¥