والبخاري لم يدرك ابن أبي ليلى، فقوله ((لا أروي عنه)) أي بواسطة،وقوله ((وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً)) يتناول الرواية بواسطة وبلا واسطة، وإذا لم يرو عمن كان كذلك بواسطة فلأن لا يروي عنه بلا واسطة أولى، لأن المعروف عن أكثر المتحفظين أنهم إنما يتقون الرواية عن الضعفاء بلا واسطة، وكثيراً ما يروون عن متقدمي الضعفاء بواسطة.
وهذه الحكاية تقتضي أن يكون البخاري لم يرو عن أحد إلا وهو يرى أنه يمكنه تمييز صحيح حديثه من سقيمه وهذا يقتضي أن يكون الراوي على الأقل صدوقاً في الأصل فإن الكذاب لا يمكن أن يعرف صحيح حديثه.
فإن قيل قد يعرف بموافقته الثقات لروى عن ابن أبي ليلى ولم يقل فيه تلك الكلمة فإن ابن ليلى عند البخاري وغيره صدوق وقد وافق عليه الثقات في كثير من أحاديثه ولكنه عند البخاري كثير الغلط بحيث لا يؤمن غلطه حتى فبما وافق عليه الثقات، وقريب منه من عرف بقبول التلقين فأنه قد يلقن من أحاديث شيوخه ما حد ثوابه ولكنه لم يسمعه منهم، وهكذا من يحدث على التوهم فأنه قد يسمع من أقرأنه عن شيوخه ثم يتوهم أنه سمعها من شيوخه فيرويها عنهم.
فمقصود البخاري من معرفة صحيح حديث الرواي من شيوخه بمجرد موافقة الثقات، وإنما يحصل بأحد أمرين:
1) إما أن يكون الراوي ثقة ثبتا فيعرف صحيح حديثه بتحديثه
2) وإما أن يكون صدوقاً يغلط ولكن يمكن معرفة ما لم يغلط فيه بطريق أخرى كأن يكون له أصول جيدة، وكأن يكون غلطه خاصاً بجهة كيحيى بن عبد الله بكير روى عنه البخاري وقال في (التاريخ الصغير): ما روى يحيى [ابن عبد الله] بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني اتقيه)) ونحو ذلك.
فإن قيل قضية الحكاية المذكورة أن يكون البخاري التزم أن لا يروي إلا ما هو عنده صحيح فأنه إن كان يروي مالا يرى صحته فأي فائدة في تركه الرواية عمن لا يدري صحيح حديثه من سقيمه؟ لكن كيف تصح هذه القضية مع أن كتب البخاري غير الصحيح أحاديث غير صحيحة، وكثير منها يحكم هو نفسه بعدم صحتها؟
قلت: أما ما نبه على عدم صحته فالخطب فيه سهل وذلك بأن يحمل كونه لا يروي ما لا يصح على الرواية بقصد التحديث أو الاحتجاج فلا يشمل ذلك ما يذكره ليبين عدم صحته، ويبقى النظر فيما عدا ذلك، وقد يقال أنه إذا رأى أن الراوي لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه تركه البتة ليعرف الناس ضعفه مطلقاً، وإذ رأى أنه يمكن معرفة صحيح حديثه من سقيمه في باب دون باب ترك الرواية عنه في الباب الذي لا يعرف فيه كما في يحيى بن بكير، وأما غير ذلك فأنه يروي ما عرف صحته وما قاربه أو أشبهه مبيناً الواقع بالقول أو الحال. والله أعلم. انتهى.
فتبين لنا بهذا ولله الحمد صحة الحديث وأن الإمام البخاري رحمه الله لايروي عن راو فيه ضعف إلا إذا كان يميز أحاديثه فينتقى منها الصحيح ويدع الضعيف.
فلامطعن بعد ذلك في عطية بن قيس مع أن البزار قال (لابأس به) وخرج له البخاري في صحيحه وانتقى حديثه هذا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=24516#post24516
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=154466#post154466
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[29 - 05 - 05, 12:33 م]ـ
ومما يوضح المسالة اكثر أن العلماء المتقدمين ما كانوا يعلون الحديث بعطية بن قيس وإنما تكلم في الحديث ابن حزم بدعوى الانقطاع فقط ولم يتكلم في حال عطية بن قيس
وقد رد العلماء على ابن حزم وبينوا خطأه في حكمه بالانقطاع على الحديث (لاتصغ لابن حزم المخالف)
فإعلال هذا الحديث بعطية بن قيس محدث لم يذكره العلماء السابقين، وقد سبق بيان طريقة الإمام البخاري رحمه الله في روايته عن الضعفاء إن ثبت أن عطية بن قيس ضعيفا.
ـ[هشام المصري]ــــــــ[30 - 05 - 05, 03:05 ص]ـ
شيخنا الفاضل الحبيب محمد الأمين جزاك الله خيرا علي هذا الثناء و هذه الإضافة التي أضفتها.
شيخنا الفاضل الحبيب عبد الرحمن الفقيه بارك الله فيك و لكن لي بعض التعقيبات و الأسئلة علي كلامك إذا سمحت لي فلقد قلت أن قول ابن حجر في الفتح هو حول (قال لي) و لكن إذا كان ذلك في جملة (قال لي) ألم يكن من باب أولي أن يكون في (قال) أيضا أن يعني بها أنه ليس علي شرطه؟
¥