قال الزركشي: (والصواب أنه يجوز أن يُقال: علّه فهو معلول، من العلة والاعتلال، إلا أنه قليل. ومنهم من نص على أنه فعل ثلاثي وهو ابن القوطية في كتاب الأفعال، فقال: (علّ الإنسان علة مرض، والشيء أصابته العلة) انتهى. وكذلك قاله قطرب في كتاب فعلت وأفعلت، وكذلك الليلي، وقال أحمد صاحب الصحاح: (علّ الشيء فهو معلول من العلة).
ويشهد لهذه العلة قولهم: عليل، كما يقولون قتيل وجريح، وقد سبق نظير هذا البحث في المعضل. وظهر بما ذكرناه أن قول المصنف (مرذول) أجود من قول النووي في اختصاره (لحن) لأن اللحن ساقط غير معتبر البتة بخلاف المرذول).
وقال العراقي: (واعترض عليه (أي على ابن الصلاح) بأنه قد حكاه جماعة من أهل اللغة، منهم: قطرب فيما حكاه اللبلي، والجوهري في الصحاح، والمطرزي في المغرب).
وقال البلقيني: (فائدة: لا يُقال ليست مرذولة، حكاها صاحب الصحاح والمطرزي وقطرب، ولم يترددوا، وتبعهم غير واحد. لأنا نقول: المستعمل عند المحدثين والفقهاء والأصوليين إنما يقصدون به أن غيره أعله، لا أنه عُلّ بنفسه. والذي ذكره الجوهري: (عُلّ الشيء فهو معلول، وما ذكره في أول المادة من أن علّه الثلاثي يتعدى فذاك في السقي (أي بمعنى سقاه)، وحينئذ فصواب الاستعمال: المعلل إذا كان من أُعلّ).
والذي يظهر لي هو جواز استعمال (معلول) في وصف الحديث الذي طرأت عليه العلة، وذلك لأمور:
الأول: أنه قد أجاز هذا الاستعمال بعض كبار أئمة اللغة كقطرب والجوهري والمطرزي وابن القوطية وغيرهم، ولذا لم يجزم ابن سيده بخطأ هذا الاستعمال.
ولذا قال السخاوي: (إلا أن مما يساعد صنيع المحدثين ومن أشير إليهم استعمال الزجاج اللغوي له، وقول صاحب الصحاح: علّ الشيء فهو معلول يعني من العلة، ونص جماعة كابن القوطية في الأفعال على أنه ثلاثي …).
الثاني: أن له مخرجاً لغوياً.
قال الفيومي في المصباح المنير: (العلة: المرض الشاغل، والجمع عِلل مثل سدرة وسدر، وأعله الله فهو معلول، قيل: من النوادر التي جاءت على غير قياس، وليس كذلك فإنه من تداخل اللغتين، والأصل أعله الله فهو معلول، أو من علّه فيكون على القياس، وجاء معل على القياس لكنه قليل الاستعمال).
الثالث: أن المحدثين استعملوا (معلول) والذي هو اسم مفعول لـ (علّ) بمعنى التكرار = استعملوه اسماً مفعولاً لـ (أعلّ) بمعنى المرض _ والتي لا يصح عند أهل اللغة استعمال معلول منها _.
ولعل هذا جائز نظراً لأن أصل الكلمتين واحد، ولوجود علاقة بين معنى الكلمتين، فإن معنى الكلمة الأولى وهو التكرار هو وسيلة لكشف العلة المأخوذ تعريفها من المعنى الثالث وهو المرض.
ـ[ابن معين]ــــــــ[29 - 05 - 03, 11:10 م]ـ
فائدة: أيهما أولى استعمال معلول أو معلل؟
استعمال (معلول) أولى من استعمال بعض المحدثين (كابن الصلاح ومن جاء بعده) لـ (معلل)، إذ أن (معلل) اسم مفعول لـ (عَلَّلَ) وهو بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به، وهذا لا يناسب المعنى الذي أراده المحدثون إلا بتجوز.
ولذا انتقد هذا الاستعمال بعض المحدثين، وممن انتقده:
الزركشي حيث قال: (وأما قول المحدثين: علله فلان بكذا، فهو غير موجود في اللغة، وإنما هو مشهور عندهم بمعنى ألهاه بالشيء وشغله، من تعليل الصبي بالطعام.
لكن استعمال المحدثين له في هذا المعنى على سبيل الاستعارة).
وقال العراقي: (والأحسن أن يقال فيه: معل بلام واحدة، لا معلل، فإن الذي بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به، من تعليل الصبي بالطعام، وأما بلام واحدة فهو الأكثر في كلام أهل اللغة، وفي عبارة أهل الحديث أيضاً، لأن أكثر عبارات أهل الحديث في الفعل أن يقولوا: أعله فلان بكذا، وقياسه معل، وتقدم قول صاحب المحكم أن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل، وقال الجوهري: لا أعلك الله أي لا أصابك بعلة).
وتبعهما على ذلك السخاوي وزكريا الأنصاري والصنعاني وطاهر الجزائري.
ولولا خشية الإطالة لذكرت كلامهم.
ـ[ابن معين]ــــــــ[29 - 05 - 03, 11:15 م]ـ
الفصل الثاني: طرق معرفة العلة.
¥