وبهذا يتبين لنا أن هذا الشاهد لا يصلح في باب الشواهد والمتابعات، ولا ينهض لتقوية غيره؛ لأنه بذاته شديد الضعف فكيف يقوى هذا على تقوية المعلول؟!
فإن إسناداً بهذا الوصف: أي: فيه مثل داود بن الزبرقان لا عبرة به في باب الاعتبار، لأنه من قيل فيه: متروك، أو: ليس بثقة، لا يصلح في باب الشواهد، ناهيك إن كان فيه من قيل فيه: كذَّاب. والحديث أورده المتقي الهندي في الكنزر (8/ 509) (23873) وعزاه للدراقطني في الأفراد عن أنس.
وللحديث شاهد آخر ضعيف نُبين حاله في البحث الذي يلي هذا:
" لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ".
وفي رواية أخرى، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:
" اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل منَّا إنك أنت السميع العليم " - ضعيف جداً أو موضوع.
أخرجه الطبراني بلفظه الأول في المعجم الكبير (12/ 146) (12720) وبلفظه الثاني أخرجه الدراقطني في سننه (2/ 185) (26)، وابن السني في عمل اليوم واللية (ص169) (480).
كلهم من طريق: عبدالملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال ... فذكره.
وهذا إسناد معلول بعبد الملك وأبيه هارون مع اختلافٍ فيه.
أقول: هارون والد عبد الملك هو: هارون بن عنترة اختلفوا فيه.
وثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين.
واختلفت الرواية فيه عن الدراقطني، نقل عنه ذلك الذهبي في الميزان وضعفه هو وابنه عبد الملك في الضعفاء له وقال: " هما ضعيفان ".
وقال ابن حبان في هارون هذا: " منكر الحديث جداً يروي المناكير الكثيرة، حتى يسبق إلى قلب المستمع لها أنه المتعمد لذلك من كثرة ما روى مما لا أصل له، لا يجوز الاحتجاج به بحال ".
وذهب بعض العلماء إلى أن البلية من ابنه عبد الملك لا منه هو، لأن ابنه قد رمي بالكذب فالحمل عليه.
قال الذهبي في هارون هذا: " الظاهر أن النكارة في الراوي عنه ". وكذا قال الألباني في الإرواء: " وآفة هذا الإسناد من ابنه عبد الملك " (7).
وأما الابن فهو: عبد الملك بن هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الشيباني.
قال عنه الإمام أحمد: ضعيف الحديث. وقال يحيى بن معين: كذاب. وقال أبو حاتم: متروك الحديث، ذاهب الحديث.
وقال ابن حبان: " كان ممن يضع الحديث لا يحل كتابة حديثه إلا على وجه الاعتبار، وهو الذي يقال له: عبد الملك بن أبي عمرو حتى لا يعرف، كان كنية هارون أبو عمرو ".
وقال البخاري: منكر الحديث.
قلت: ومعنى منكر الحديث عند البخاري؛ أي: لا تحل الرواية عنه، نقل ذلك عنه ابن القطان. قال الذهبي في الميزان (1/ 119): [ونقل ابن القطان أن البخاري: قال: " كل من، قلت فيه منكر الحديث فلا تحلُّ الرواية عنه "].
وقال عنه النسائي: متروك الحديث. وقال السعدي: دجَّال كذَّاب.
وقال ابن عدي: " وعبد الملك بن هارون له أحاديث غرائب عن أبيه عن جده، عن الصحابة مما لا يتابعه عليه أحد ".
وضعفه الدراقطني في الضعفاء له (8).
قلت: إذن تعصيب الجناية برأس الابن عبد الملك أصح لأنه رُمي بالكذب، ولو قلنا: أن هذا الإسناد والمتن موضوعان، لما أبعدنا النجعة ولما بالغنا لأن عبد الملك هذا ممن يضع فهو الذي اصطنعه فصار في الظاهر شاهداً وليس كذلك.
وأعلَّ الهيثمي هذا الحديث بعبد الملك، فقال في المجمع (3/ 159).
" رواه الطبراني في الكبير وفيه عبد الملك بن هارون، وهو ضعيف ".
وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 327) عن حديث ابن عباس: " وفي إسناده عبد الملك بن هارون بن عنترة، وقد تركوه، وقال السعدي: دجَّال كذَّاب ".
وقال الحافظ في التلخيص (2/ 802) بعد أن ذكر من أخرجه قال: " بسند ضعيف " وتعقب العلامة الألباني الحافظ الهيثمي وابن حجر في قولهما عن الحديث " ضعيف " فقط فقال في إرواء الغليل (4/ 37): [وفي ذلك تساهل منه ومن الذين قبلهن فإن حقهم أن يقولوا: " ضعيف جداً ". وذلك خشية أن يغتر أحد بظاهر كلامهم فيقوي الحديث (9) بحديث أنس معتمداً على قاعدة " يتقوى الحديث الضعيفة بكثرة الطرق، ومن شرطها أن تكون مفردات هذه الطرق غير شديدة الضعف، وهذا مما لم يتوفر في هذه الطريق عند التحقيق "] ا. هـ
¥