تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قول الله تبارك وتعالى (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول) وقال: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء).

فالذى يجب اعتقاده أن النبى -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم الغيب بنفسه ولكن الله تعالى يعلمه ببعض الأمور المغيبه عنا، ثم هو صلى الله تعالى عليه وسلم يظهرنا على ذلك بطريق الكتاب والسنة، وما نعلمه من تفصيلات أمور الآخرة من الحشر والجنة والنار ومن عالم الملائكه والجن ونحو ذلك مما وراء المادة، وماكان وماسيكون، ليس هو الا من الأمور الغيبية التي أظهر الله تعالى نبيه عليها، ثم بلغنا إياها، فكيف يصح بعد هذا أن يرتاب مسلم فى حديثه لأنه يخبر عن الغيب؟! ولو جاز هذا للزم منه رد أحاديث كثيرة جداً قد تبلغ المائه حديثاً أو يزيد، هى كلها من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم- وصدق رسالته، ورد مثل هذا ظاهر البطلان، ومن المعلوم أن ما لزم منه باطل فهو باطل، وقد استقصى هذه الأحاديث المشار إليها الحافظ ابن كثير فى تاريخه وعقد لها بابا خاصا فقال: " باب ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- من الكائنات المستقبلة فى حياته وبعده فوقعت طبق ما أخبر به سواء بسواء " ثم ذكرها فى فصول كثيرة فليراجعها حضره السائل إن شاء في " البداية والنهاية " (6/ 182 - 256) يجد فى ذلك هدى ونوراً بإذن الله تعالى، وصدق الله العظيم إذ يقول:

(وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير) وقال: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم * وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور)

فليقرأ المسلمون كتاب ربهم وليتدبروه بقلوبهم يكن عصمة لهم من الزيغ والضلال، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: " إن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً ". (1)

3 - هدف الحديث:

عرفنا مما سبق أن الحديث المسؤول عنه صحيح الإسناد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن ما فيه من الإخبار عن أمر مغيب إنما هو بوحي من الله تعالى إليه -صلى الله عليه وسلم-، فإذا تبين ذلك استحال أن يكون الهدف منه ما توهمه السائل الفاضل من " حمل الناس على الرضى بما نحن فيه. . . " بل الغاية منه عكس ذلك تماماً، وهو تحذيرهم من السبب الذي كان العامل على تكالب الأمم وهجومهم علينا، ألا وهو " حب الدنيا وكراهية الموت " فإن هذا الحب والكراهية هو الذي يستلزم الرضا بالذل والاستكانة إليه والرغبة عن الجهاد في سبيل الله على اختلاف أنواعه من الجهاد بالنفس والمال واللسان وغير ذلك، وهذا هو حال غالب المسلمين اليوم مع الأسف الشديد.

فالحديث يشير إلى أن الخلاص مما نحن فيه يكون بنبذ هذا العامل، والأخذ بأسباب النجاح والفلاح فى الدنيا والآخرة، حتى يعودوا كما كان أسلافهم " يحبون الموت كما يحب أعداؤهم الحياة ".

وما أشار إليه هذا الحديث قد صرح به حديث آخر فقال -صلى الله عليه وسلم-: " إذا تبايعتم بالعينة (2)، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ". (3)

فتأمل كيف اتفق صريح قوله فى هذا الحديث " لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " مع ما أشار إليه الحديث الأول من هذا المعنى الذى دل عليه كتاب الله تعالى أيضاً، وهو قوله: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

فثبت أن هدف الحديث إنما هو تحذير المسلمين من الاستمرار في " حب الدنيا وكراهية الموت "، ويا له من هدف عظيم لو أن المسلمن تنبهوا له وعملوا بمقتضاه لصاروا سادة الدنيا، ولما رفرفت على أرضهم راية الكفار، ولكن لا بد من هذا الليل أن ينجلي، ليتحقق ما أخبرنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى أحاديث كثيرة، من أن الإسلام سيعم الدنيا كلها، فقال عليه الصلاة والسلام:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير