وهذا حق؛ فإن استحلال الربا باسم البيع ظاهر كالحيل الربوية التي صورتها صورة البيع وحقيقتها حقيقة الربا، ومعلوم أن الربا إنما حرم لحقيقته ومفسدته لا لصورته واسمه، فهب أن المرابي لم يسمه رباً وسماه بيعاً فذلك لا يخرج حقيقته وماهيته عن نفسها.
وأما استحلال الخمر باسم آخر فكما استحل من استحل المسكر من غير عصير العنب وقال: لا أسميه خمراً وإنما هو نبيذ، وكما يستحلها طائفة من المجان إذا مزجت ويقولون: خرجت عن اسم الخمر، كما يخرج الماء بمخالطة غيره له عن اسم الماء المطلق، وكما يستحلها من يستحلها إذا اتخذت عقيداً ويقول: هذه عقيد لا خمر، ومعلوم أن التحريم تابع للحقيقة والمفسدة لا للاسم والصورة
(فإن إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة لا تزول بتبديل الأسماء والصور عن ذلك، وهل هذا إلا من سوء الفهم وعدم الفقه عن الله ورسوله)
وأما استحلال السحت باسم الهدية - وهو أظهر من أن يذكر - كرشوة الحاكم والوالي وغيرهما، فإن المرتشي ملعون هو والراشي؛ لما في ذلك من المفسدة، ومعلوم قطعاً أنهما لا يخرجان عن الحقيقة وحقيقة الرشوة بمجرد اسم الهدية, وقد علمنا وعلم الله وملائكته ومن له اطلاع إلى الحيل أنها رشوة.
وأما استحلال القتل باسم الإرهاب الذي تسميه ولاة الجور سياسة وهيبة وناموساً وحرمة للملك فهو أظهر من أن يذكر.
وأما استحلال الزنا باسم النكاح فهو الزنا بالمرأة التي لا غرض له أن يقيم معها ولا أن تكون زوجته
وإنما غرضه أن يقضي منها وطره أو يأخذ جعلاً على الفساد بها ويتوصل إلى ذلك باسم النكاح وإظهار صورته، وقد علم الله ورسوله والملائكة والزوج والمرأة أنه محلل لا ناكح، وأنه ليس بزوج، وإنما هو تيس مستعار للضراب بمنزلة حمار العشريين.
فيالله العجب!
أي فرق في نفس الأمر بين الزنا وبين هذا؟ نعم هذا زنا بشهود من البشر وذلك زنا بشهود من الكرام الكاتبين
كما صرح به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لا يزالان زانيين وإن مكثا عشرين سنة إذا علم الله أنه إنما يريد أن يحللها
والمقصود أن هذا المحلل إذا قيل له: هذا زنا، قال: ليس بزنا بل نكاح، كما أن المرابي إذا قيل له: هذا رباً، قال: بل هو بيع، وكذلك كل من استحل محرماً بتغيير اسمه وصورته كمن يستحل الحشيشة باسم لقيمة الراحة، ويستحل المعازف كالطنبور والعود والربط باسم يسميها به، وكما يسمي بعضهم المغني بالحادي والمطرب والقوال، وكما يسمي الديوث بالمصلح والموفق والمحسن، ورأيت من يسجد لغير الله من الأحياء والأموات ويسمي ذلك وضع الرأس للشيخ؛ قال: ولا أقول هذا سجود.
وهكذا الحيل سواء؛ فإن أصحابها يعمدون إلى الأحكام فيعلقونها بمجرد اللفظ، ويزعمون أن الذي يستحلونه ليس بداخل في لفظ الشيء المحرم، مع القطع بأن معناه معنى الشيء المحرم؛ فإن الرجل إذا قال لمن له عليه ألف: اجعلها ألفاً ومائة إلى سنة بإدخال هذه الخرقة وإخراجها صورةً لا معنى، لم يكن فرق بين توسطها وعدمه، وكذلك إذا قال: مكنيني من نفسك أقض منك وطراً يوماً أو ساعة بكذا وكذا، لم يكن فرق بين إدخال شاهدين في هذا أو عدم إدخالهما وقد تواطئا على قضاء وطر ساعة من زمان." انتهى
ـ[أبو المنذر أحمد]ــــــــ[01 - 06 - 08, 03:12 ص]ـ
قال الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان في تحقيقه لاعلام الموقعين ج4ص529:اما المرفوع -يعني حديث الباب-فقد اخرجه الخطابي في غريب الحديث1/ 218 ..... واسناده ضعيف لانه معضل الاوزاعي ... اهـ