وروى الخبر الطبري في تاريخه، في: «ذكر الخبر عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم» عن هشام بن محمد مرسلاً، وفيه عند ذكر أم حبيبة: «فتنصّر زوجها، وحاولها أن تتابعه فأبت، وصبرت على دينها، ومات زوجها على النصرانية» (9)، والخبر فضلاً عن إرساله؛ فإنه عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وهو رافضي متروك، قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: «إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحداً يحدِّث عنه» (10). ونقله ابن الأثير في تاريخه (11) عن ابن الكلبي أيضاً.
ورواه البيهقي في «الدلائل» من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: «ومن بني أسد بن خزيمة: عبيد الله بن جحش، مات بأرض الحبشة نصرانياً، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان، واسمها رملة، فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنكحه إياها عثمان بن عفان بأرض الحبشة» (12)، والخبر فيه علتان: الإرسال، وضعف ابن لهيعة. والمتن هنا فيه غرابة. قال ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ: «وأما قول عروة إن عثمان زوّجها منه فغريب؛ لأن عثمان كان قد رجع إلى مكة قبل ذلك ثم هاجر إلى المدينة، وصحبته زوجته رقية» (13).
وعبيد الله بن جحش لم يترجم له ابن عبد البر في «الاستيعاب»، ولا ابن الأثير في «أُسد الغابة»، ولا ابن حجر في «الإصابة»، وفي ترجمة أخيه عبد الله ـ رضي الله عنه ـ في «الإصابة» لم يذكر ابن حجر شيئاً، أما ابن عبد البر فقد قال في «الاستيعاب» في ترجمة عبد الله: «وكان هو وأخوه أبو أحمد عبد بن جحش من المهاجرين الأولين ممن هاجر الهجرتين، وأخوهما عبيد الله بن جحش تنصّر بأرض الحبشة، ومات بها نصرانياً، وبانت منه امرأته أم حبيبة» (14)، وكذا ذكر ابن الأثير في ترجمة عبد الله.
وفي ترجمة أم حبيبة ـ رضي الله عنها ـ في «الإصابة» قال ابن حجر: «ولما تنصر زوجها عبيد الله، وارتد عن الإسلام فارقها، فأخرج ابن سعد من طريق إسماعيل بن عمرو بن سعيد الأموي قال ... » (1)، وذكر القصة التي رواها ابن سعد عن الواقدي، وسبقت.
وفي ترجمتها في «التهذيب» لم يذكر الحافظ تنصّر عبيد الله بل قال: «هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش هناك، ومات، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي هناك، سنة ست، وقيل سنة سبع» (2)، وقال الذهبي في «السير» في ترجمة أم حبيبة ـ رضي الله عنها ـ: «ابن سعد: أخبرنا الواقدي: أخبرنا .. »، وذكر رؤياها ـ رضي الله عنها ـ وردّة زوجها، ثم قال (الذهبي): «وهي منكرة» (3). ولم يبيّن ـ رحمه الله ـ وجه النكارة.
ومما يرجّح أن خبر ردته غير صحيح: أن الروايات الصحيحة في نكاحه صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة ـ رضي الله عنها ـ لم تذكر شيئاً من ذلك؛ فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح من طريق الزهري عن عروة عن أم حبيبة ـ رضي الله عنها ـ: «أنها كانت تحت عبيد الله ابن جحش، وكان أتى النجاشي فمات، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة وهي بأرض الحبشة، زوّجها إياه النجاشي، وأمهرها أربعة آلاف» (4)، ورواه أيضاً أبو داود (5)، والنسائي (6).
مما سبق يتبين ـ والله أعلم ـ أن قصة ردة عبيد الله بن جحش لم تثبت، لعدة أدلة؛ منها:
1 - أنها لم تُروَ بسند صحيح متصل، فالموصول من طريق الواقدي. والمرسل جاء عن عروة بن الزبير، ولا يمكن أن نحتج بالمرسل (عند من يرى الاحتجاج به) في مسألة كهذه؛ فيها الحكم على أحد السابقين الأولين ـ رضي الله عنهم ـ بالردة.
2 - أن الروايات الصحيحة في زواجه صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة لم تذكر ردة زوجها السابق، كما في الرواية السابقة عند أحمد، وأبي داود، والنسائي.
3 - أنه يبعد أن يرتد أحد السابقين الأولين للإسلام عن دينه، وهو ممن هاجر فراراً بدينه مع زوجه، إلى أرض بعيدة غريبة. خاصة أن عبيد الله بن جحش ممن هجر ما عليه قريش من عبادة الأصنام، والتماسه مع ورقة وغيره الحنيفية ـ كما في رواية ابن إسحاق (بدون سند) الواردة أول هذا البحث ـ وفي رواية ابن سعد (عن الواقدي) أنه كان قد دان بالنصرانية قبل الإسلام. ومعلوم أن البشارة ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت معروفة عند أهل الكتاب من يهود، ونصارى؛ فكيف يُتصور من رجل يترقب الدين الجديد أن يعتنقه ثم يرتد عنه لدين منسوخ؟! كما أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة كان في سنة ست، وقيل سبع، وردة عبيد الله
¥