تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والناس في هذا الباب طرفان طرف من أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث وأهله لا يميز بين الصحيح والضعيف فيشك في صحة أحاديث أو في القطع بها مع كونها معلومة مقطوعا بها عند أهل العلم به.

وطرف ممن يدعى إتباع الحديث والعمل به، كلما وجد لفظا في حديث قد رواه ثقة أو رأى حديثا بإسناد ظاهره الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم بصحته حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة أو يجعله دليلا له في مسائل العلم مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا غلط ().

وكما أن على الحديث أدلة يعلم بها أنه صدق وقد يقطع بذلك، فعليه أدلة يعلم بها أنه كذب ويقطع بذلك ... ."اهـ ().

وقال رحمه الله: "وقد يكون الرجل عندهم ضعيفا لكثرة الغلط في حديثه ويكون حديثه إذا الغالب عليه الصحة لأجل الاعتبار به والإعتضاد به فإن تعدد الطرق وكثرتها يقوى بعضها بعضا حتى قد يحصل العلم بها ولو كان الناقلون فجارا فساقا فكيف إذا كانوا علماء عدولا ولكن كثر في حديثهم الغلط"اهـ ().

عبارات لهم في تقوية الحديث شديد الضعف:

قول البيهقي (ت458هـ) رحمه الله عند كلامه على حديث: "أنتوضأ بما أفضلت الحمر. قال: نعم ومما أفضلت السباع كلها قال: "فإذا ضممنا هذه الأسانيد بعضها إلى بعض أخذت قوة [و] في معناه حديث أبي قتادة، وإسناده صحيح والاعتماد عليه"اهـ ().

يلاحظ قوله: "أخذت قوة" أي مطلق قوة، فهي قوة لا ترقيه إلى مرتبة الحسن لغيره، ولذلك قال: "في معناه حديث أبي قتادة، وإسناده صحيح والاعتماد عليه".

وقوله أيضاٌ عند كلامه على حديث: "إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار: إذا ظهر فيهم التلاعن ولبس الحرير واتخذوا القيان وشربوا الخمور واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ساقه البيهقي عن أنس من طريقين ثم قال عقب الطريق الثاني: "وإسناده وإسناد ما قبله غير قوي، غير أنه إذا ضم بعضه إلى بعض أخذ قوة والله اعلم"اهـ ().

قال ابن عساكر علي بن حسن بن هبة الله (ت571هـ) رحمه الله عن طرق حديث "من حفظ على أمتي أربعين حديثاً ... بأنها وردت: " بأسانيد فيها كلها مقال ليس فيها ولا في ما تقدمها للتصحيح مجال ولكن الأحاديث الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة لا سيما ما ليس فيه إثبات فرض"اهـ ().

ومن ذلك لمّا أشار الحافظ السلفي رحمه الله إلى صحة حديث "من حفظ على أمتي أربعين حديثاً بعثه الله يوم القيامة فقيهاً

قال المنذري (ت656هـ) رحمه الله: "لعل السلفي كان يرى أن مطلق الأحاديث الضعيفة إذا انضم بعضها إلى بعض أخذت قوّة" ().

وتعقبه ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله بقوله: "لكن تلك القوة لا تخرج الحديث عن مرتبة الضعف.

فالضعف يتفاوت؛ فإذا كثرت طرق حديث رجح على حديث فرد، فيكون الضعيف الذي ضعفه ناشيء عن سؤ حفظ رواته إذا كثرت طرقه ارتقى إلى مرتبة الحسن، والذي ضعفه ناشيء عن تهمة أو جهالة إذا كثرت طرقه ارتقى عن مرتبة المردود المنكر الذي لا يجوز العمل به بحال إلى رتبة الضعيف الذي يجوز العمل به في فضائل الأعمال.

وعلى ذلك يحمل قول النووي ـ رحمه الله ـ في خطبة الأربعين له: "وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. وقال بعد أن ذكر هذا الحديث: اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه"اهـ ().

وقال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله، عن حديث في مسند أحمد بن حنبل رحمه الله، أورده ابن الجوزي (ت597هـ) في الموضوعات: "له طرق كثيرة جمعتها في جزء مفرد يكاد الواقف عليه أن يقطع [بـ]ـوقوع هذه القصة؛ لكثرة الطرق الواردة فيها، وقوة مخارج أكثرها، والله اعلم"اهـ ().

وقال السيوطي (ت911هـ) رحمه الله: "وأمّا الضعيف لفسق الراوي أو كذبه فلا يؤثر فيه [متابعة ولا] موافقة غيره له، إذا كان الآخر مثله لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر.

نعم يرتقي بمجموع طرقه عن كونه منكراً أو لا أصل له، صرّح به شيخ الإسلام (يعني: ابن حجر)، قال: ربما كثرت الطرق حتى أوصلته إلى درجة المستور السيء الحفظ بحيث إنه إذا وجد له طريق آخر فيه ضعف قريب محتمل ارتقى بمجموع ذلك إلى درجة الحسن (يعني: الحسن لغيره) "اهـ ().

أقول: وهذا الكلام يفيد أن تعدد طرق الحديث الضعيف يقويه مطلقاً، سواء كانت درجة الضعيف في محل الاعتبار أم لا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير