هذا؛ وقد علمت أن الخطأ الذي وقع فيه يحيى القطاع خطأ في المتن، أدى إلى فساد المعنى.
ومعنى هذا: أن الراوي إذا أخطأ في المتن بما يؤدي إلى فساد معناه كان خطؤه شديداً؛ فلا يحتج بروايته، ولا يُعتبر بها، ولو كان الراوي ثقة.
ومثل ذلك:
ما حكاه عبد الله ابن أحمد ()، عن أبيه أيضاً؛ حيث قال:
" سمعت أبي يقول، وذكر يحيى ابن آدم فقال: أخطأ في حديث ابن مبارك، عن خالد، عن أبي قلابة، عن كعب، قال: قال الله عز وجل: أنا أشج وأداوي.
قال يحيى ابن آدم ـ وأخطأ خطأً قبيحاً ـ، فقال: أنا أسحر وأداوي " ا هـ.
ويحيى ابن آدم؛ من الثقات المعروفين، ومع ذلك؛ فقد نعت أحمد خطأه في هذا الحديث بأنه " خطأ قبيح " وذلك؛ لأنه صحَّف في متن الحديث، فأفسد معناه.
وقد صحف أيضاً في حديث آخر ()، لفظه: " لا غرر في الإسلام "، فقال: " لا غُرْل في الإسلام "، فأفسد الحديث، وقلب معناه؛ فإن " الغرل " عدم الاختتان، وهو بخلاف " الغرر " الذي هو الجهالة في
البيع ().
ومن ذلك:
قال الخلال (): أخبرني الميموني، أن أبا عبد الله ـ يعني: أحمد ابن حنبل ـ قيل له: إن بعض الناس أسند، أن النبي r كان يلاحظ في الصلاة.
فأنكر ذلك إنكاراً شديداً، حتى تغير وجهه، وتغير لونه، وتحرك بدنه، ورأيته في حال ما رأيته في حال قط أسوأ منها، وقال: النبي r كان يلاحظ في الصلاة؟! ـ يعني: أنه أنكر ذلك؛ وأحسبه قال: ليس له
إسناد (). وقال: من روى هذا ()؟! إنما هذا من سعيد ابن المسيب ().
ثم قال لي بعض أصحابنا: إن أبا عبد الله وهَّن حديث سعيد هذا، وضعَّف إسناده، وقال: إنما هو: عن رجل، عن سعيد ا هـ.
قلت: وهذا الحديث الذي أنكره الإمام أحمد هذا الإنكار الشديد، هو:
حديث: الفضل ابن موسى السيناني، عن عبد الله ابن سعيد ابن أبي هند، عن ثور ابن زيد عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله r كان يلحظ في صلاته يميناً وشمالاً، ولا يلوي عنقه خلف ظهره.
رواه: جماعة، عن السيناني.
أخرجه: أحمد (1/ 275ـ 306)، وأبو داود () والترمذي في " الجامع " (587)
و "العلل" (ص 98 - 99) والنسائي (3/ 9) ()، وابن خزيمة (485) (871) والدارقطني (2/ 83) والبيهقي (2/ 13) والحاكم (1/ 236 - 237) وأبو يعلى (4/ 463) وابن حبان (2288).
وقال الترمذي:
" هذا حديث غريب ()، وقد خالف وكيع الفضل بن موسى في روايته ".
ثم رواه (588) عن وكيع، عن ابن أبي هند، عن بعض أصحاب عكرمة، أن النبي r ـ فذكره.
وهذا مرسل، بل معضل.
وقال في " العلل "
" لا أعلم أحداً روى هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند مسنداً مثل ما رواه الفضل بن موسى "
وقال الدارقطني:
" تفرد به الفضل بن موسى، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند متصلاً، وأرسله غيره ".
ثم أسند رواية وكيع أيضاً.
وكذلك؛ صنع البيقهي.
وهم يشيرون بذلك إلى إعلال رواية السيناني برواية وكيع المرسلة.
وهو ما يُفهم من صنيع الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ؛ فإنه لما خرج في " المسند " (2/ 275) رواية السيناني، أتبعها برواية وكيع المرسلة، وفي هذا إشارة منه إلى إعلال رواية السيناني الموصولة برواية وكيع المرسلة؛ لأن المراسيل ليست من موضوع " المسند " ().
وقد رواه: هناد بن السري، عن وكيع، عن عبد الله بن سعيد، عن رجل، عن عكرمة ـ مرسلاً ـ.
أخرجه: أبو داود، وقال:
" وهذا أصح ".
والشاهد من هذا الاستطراد: أن المخطئ في هذا الحديث هو الفضل بن موسى السيناني وهو ثقة من الثقات، ومع ذلك؛ فقد أنكر الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ حديثه هذا الإنكار الشديد؛ فدل ذلك على أن الخطأ إذا تحقق من وقوعه ـ ولو من الثقات ـ كان الحديث شاذاً منكراً، لا يُعتبر به، ولا يُشتغل به.
ومن ذلك:
قال المروذي ():
" سألت أحمد عن حديث: عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضَمرة، عن علي، عن النبي r ، أنه مسح على الجبائر.
فقال: باطل، ليس من هذا شيء؛ من حدث بهذا؟
قلت: ذكروه عن صاحب الزهري.
فتكلم فيه بكلام غليظ " ا هـ.
¥