ثم أخرجه أحمد (6/ 102) من طريق حسن ـ وهو ابن موسى ـ ومن طريق أبي كامل ـ واسمه فضيل بن حسين ـ، والبيهقي من طريق يحيى بن يحيى وأحمد ابن يونس وعمرو بن خالد؛ كلهم عن زهير عن أبي إسحاق قال:
سألت الأسود بن يزيد ـ وكان لي جاراً وصديقاً ـ عما حدثته عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: قالت:
كان ينام أول الليل ويحيى آخره، ثم إن كانت له إلى أهله حاجة قضى حاجته، ثم نام قبل أن يمس ماء، فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب ـ فلا والله ما قالت: قام
ـ وأخذ الماء ـ ولا والله ما قالت: اغتسل، وأنا أعلم ما تريد ـ، وإن لم يكن له حاجة؛ توضأ وضوء الرجل للصلاة، ثم صلى الركعتين.
وفي رواية أحمد: وإن لم يكن جنباً بدل: وإن لم يكن له حاجة.
وهي أوضح في المعنى.
وقد أخرجه مسلم (2/ 167) من طريق أحمد بن يونس ويحيى بن يحيى عن زهير ... به، دون قوله: قبل أن يمس ماءً.
وكذلك رواه الطيالسي (رقم 1386)، ومن طريقه أبو عوانة في " صحيحه " 02/ 308) من طريق شعبة عن أبي إسحاق. ثم قال البيهقي:
" أخرجه مسلم في " صحيحه " دون قوله: قبل أن يمس ماءً وذلك لأن الحفاظ طعنوا في هذه اللفظة، وتوهموها مأخوذة عن غير الأسود، وأن أبا إسحاق ربما دلس، فرأوها من تدليساته، واحتجوا على ذلك برواية إبراهيم النخعي وعبدالرحمن بن الأسود عن الأسود بخلاف رواية أبي إسحاق ".
قلت: وفي حديثيهما:
كان إذا أراد أن ينام وهو جنب، توضأ للصلاة، وقد مضى في الباب قبله (رقم 219). ثم قال البيهقي:
" وحديث أبي إسحاق السبيعي صحيح من جهة الرواية، وذلك أن أبا إسحاق بيَّن سماعه من الأسود في رواية زهير بن معاوية عنه؛ والمدلس إذا بين سماعه ممن روى عنه، وكان ثقة؛ فلا وجه لردِّه " ثم ذكر عن الحاكم أبي العباس بن شريح أنهما صححا الحديث.
وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى؛ فإن أبا إسحاق السبيعي ـ واسمه عمرو بن عبدالله ـ ثقة حجة، وقد رماه بعضهم بالتدليس؛ فتصريح زهير بن معاوية بسماعه من الأسود قد دفع شبهة تدليسه.
وفيه شبهة أخرى؛ وهو أنه كان قد شاخ ونسي؛ ولكنه لم يختلط، كما قال الذهبي. وأما الحافظ فقال في " التقريب ": إنه
" اختلط بآخره "!
وأياً ما كان؛ فإن هذا الحديث قد رواه عنه جماعة؛ منهم سفيان الثوري، وهو أثبت الناس فيه، كما قال الحافظ نفسه في " التهذيب ".
فما رواه المصنف عقب الحديث فقال: ثنا الحسن بن علي الواسطي قال سمعت يزيد بن هارون يقول:
" هذا الحديث وهم، يعني: حديث أبي إسحاق "! وقال الترمذي:
" وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث: شعبة والثوري وغير واحد، ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق "!
فهذا وغيره من النقول مما لا تطمئن النفس للأخذ بها، والطعن في رواية الثقة بدون حجة؛ إلا أنه روى ما لم يرو غيره من الثقات! وهذا ليس بعلة؛ فقلما يخلو ثقة لا ينفرد بما لا يروه غيره.
ومن ذلك ما في " سنن ابن ماجه " عقب الحديث:
قال سفيان: فذكرت الحديث يوماً، فقال لي إسماعيل: يا فتى! تشدُّ هذا الحديث بشيء.
قلت: وقد وجدنا ما يشهد له؛ فقال الحافظ في " التلخيص" (2/ 156):
" ويؤيده ما رواه هشيم عن عبدالملك عن عطاء عن عائشة مثل رواية أبي إسحاق عن الأسود (1)، وما رواه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " عن ابن عمر: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: " نعم، ويتوضأ إن شاء الله "، وأصله في " الصحيحين " دون قوله: " إن شاء " ... ".
قلت: وكذلك رواه المصنف ـ كما مضى (رقم 218) ـ مثل رواية " الصحيحين "؛ لكن الحديث عندهم من حديث عمر، وهو السائل، لا ابنه عبدالله. والله أعلم.
وبالجملة؛ فهذه طريق أخرى للحديث، وهو صحيح أيضاً على شرط مسلم؛ فهو شاهد قوي لرواية أبي إسحاق، تشهد أنه قد حفظ ولم يهم كما زعموا!
(تنبيه): لا تعارض بين هذا الحديث وبين أحاديث البابين قبله، فإن هذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان ينام قبل أن يغتسل؛ بياناً للجواز وترخيصاً للأمة، وتلك تدل على أن الأفضل الوضوء قبل النوم؛ ولهذا أمثلة كثيرة في الأحاديث النبوية.
(تنبيه ثانٍ): زعم الطحاوي أن أبا إسحاق غلط في هذا الحديث، فاختصره من حديث طويل أخطأ في اختصاره إياه، وذلك أن فهداً حدثنا قال: ثنا أبو غسان قال: ثنا زهير ...
قلت: فذكر الحديث مثل رواية البيهقي المتقدمة؛ إلا أنه قال ـ بعد قوله: ويحيى آخره ـ:
ثم إن كانت له حاجة؛ قضى حاجته، ثم ينام قبل أن يمس ماءً ... الحديث.
فقد سقط من روايته قوله: إلى أهله ... فتغير من أجل ذلك المعنى من أصله! ثم أخذ يؤول الجملة ويفسرها بما يعارض رواية أبي إسحاق المختصرة.
وذلك خطأ منه مبني على خطإ روايته المخالفة لرواية الجماعة كما سبق، وقد تبعه على هذا الخطأ جماعة من المتأخرين! والسبب في ذلك: عدم تتبع طرق الحديث وألفاظه.والله الموفق.
قال مبارك: وقد أحتج به ابن حزم في " المحلى " ـ وهو لا يحتج إلا بخبر صحيح عنده ـ وقد تعقب من طعن فيه بقوله:
" فإن قيل: إن هذا الحديث أخطأ فيه سفيان؛ لأن زهير بن معاوية خالفه فيه، قلنا: بل أخطأ بلا شك من خطأ سفيان بالدعوى بل دليل، وسفيان احفظ من زهير بل شك، وبا لله تعالى التوفيق " أه
وقال الإمام أحمد شاكر معلقاً على كلام ابن حزم:
" القول ما قال المؤلف والحديث صحيح، والمحدثون إنما عللوه بتخطئة أبي إسحاق ـ لا سفيان ـ في ذكر
"لا يمس ماء " ... "
ــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ قلت ـ أي الألباني ـ: وقد أخرجه أحمد (6/ 230): ثنا ابن نمير عن عبدالملك ... به، ولفظه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تصيبه الجنابة من الليل وهو يريد الصيام، فينام ويستيقظ، ويصبح جنباً فيفيض عليه من الماء، ثم يتوضأ.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
قال مبارك: وحديث الباب مخرج ـ أيضاً ـ في كتاب " آداب الزفاف " (116).
¥