وقال الإمام الترمذي رحمه الله في "جامعه" (ج3 ص55) مع "تحفة الأحوذي" طبعة هندية: حدثنا سويد بن نصر ثنا ابن المبارك عن الأجلح عن عبدالله بن بريدة عن أبي الأسود عن أبي ذر رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إنّ أحسن ما غيّر به الشّيب الحنّاء والكتم)).
هذا حديث حسن صحيح.
الحديث عزاه المجد في "المنتقى" للخمسة يعني أصحاب "السنن" وأحمد.
وقال النسائي رحمه الله (ج8 ص139): حدثنا محمد بن مسلم حدثنا يحيى بن يعلى حدثنا به أبي عن غيلان عن أبي إسحاق عن ابن أبي ليلى عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أفضل ما غيّرتم به الشّمط: الحنّاء والكتم)).
قلت: رجاله رجال مسلم غير محمد بن مسلم بن عثمان أبوعبدالله بن واره، قال الحافظ فيه: ثقة حافظ. وأبوإسحاق هو السبيعي، ثقة مدلس وقد عنعن، فهو لابأس به في الشواهد.
وله شاهد من حديث ابن عباس عند أبي يعلى (ج3 ص27)، والطبراني (ج11 ص 258)، قال أبويعلى رحمه الله: حدثنا بشر بن سيحان حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أحسن ما غيّرْتم به الشّيب، الحنّاء والكتم)).
الحديث رجاله رجال الشيخين، خلا بشر بن سيحان، قال فيه أبوحاتم: ما به بأس كان من العباد. وقال أبوزرعة: شيخ بصري صالح. اهـ "الجرح والتعديل" (ج2 ص 358).
هذا ولهم شبه لا بأس ببيانها، لكي تنقطع حجتهم: منها:
1ـ حديث ابن ماجة، قال رحمه الله (ج2 ص1197): حدثنا أبوهريرة الصيرفي محمد بن فراس حدثنا عمر بن الخطاب بن زكريا الراسبي حدثنا دفّاع بن دغفل السدوسي عن عبدالحميد بن صيفي عن أبيه عن جده صهيب الخير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّ أحسن ما اختضبتم به لهذا السّواد أرغب لنسائكم فيكم وأهيب لكم في صدور عدوّكم)).
إني لأعجب ممن يعارض الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في "صحيحه"، والحديث الصحيح الذي رواه أحمد في "مسنده" والحديث الصحيح الذي رواه الترمذي في "جامعه"، وقال: حديث حسن صحيح؛ بمثل هذا الحديث الذي اجتمع فيه النكارة والضعف والإنقطاع،:
@ـ أما نكارته فظاهرة، وهو مخالفته لما اشتهر عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نهيه عن السواد،
@ـ وأما ضعفه فقد قال الإمام الذهبي في "الميزان" في ترجمة دفّاع بن دغفل: ضعفه أبوحاتم ووثقه ابن حبان. اهـ، وليس له في الأمهات إلا هذا الحديث رواه ابن ماجة، وقد قال المزي رحمه الله: أن الغالب فيما تفرد به ابن ماجة الضعف. ذكره المناوي في "فيض القدير" (ج1 ص25) وذكره صاحب "تحفة الأحوذي" في المقدمة ص (66) طبعة هندية.
وأما توثيق ابن حبان له فهو معروف بالتساهل، وقد كثر توثيقه للمجهولين، كما بينه الشيخ الألباني في تعليقه على "التنكيل" (ج1 ص438) وذكره الحافظ في "مقدمة لسان الميزان". وقد يذكر الرجل في كتاب "الثقات" وفي كتاب "الضعفاء" كما ذكره المعلمي رحمه الله (ج1 ص436) من "التنكيل".
@ـ وأما انقطاع الحديث فقد قال الذهبي رحمه الله في "الميزان": عبدالحميد ابن زياد بن صيفي بن صهيب قال البخاري: لا يعرف سماع بعضهم من بعض. اهـ
وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب": قال أبوحاتم: شيخ روى له ابن ماجة حديثًا واحدًا. ثم قال الحافظ: قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات".اهـ
هذا وقد تقدم الكلام على ما انفرد به ابن ماجة، وأنه لا يعبأ بتوثيق ابن حبان إذا انفرد.
2ـ ولهم حديث آخر يمكن أن يموهوا به على من لا معرفة له بعلم الحديث، وهو حديث: ((إذا خطب أحدكم المرأة وهو يخضب بالسّواد فليعلمها أنّه يخضب)).
قال السيوطي في "الجامع الصغير": رواه الديلمي في "مسند الفردوس" عن عائشة، ورمز لضعفه، وقال المناوي في "فيض القدير": رواه عنها أيضًا البيهقي وزاد بعد قوله: ((فليعلمها ولا يغرّها))، وفيه عيسى بن ميمون قال البيهقي: ضعيف، وقال الذهبي: متروك. اهـ
3ـ هذا ولهم شبهة أخرى، وهو فعل بعض السلف رحمهم الله، وما كنت أظن أن يتجاسر مؤمن يؤمن بالله وبقوله تعالى: {لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله}.
وقوله: {فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
¥