ـ[أبو حذيفة التونسي]ــــــــ[01 - 05 - 08, 02:15 ص]ـ
السلام عليكم
في الحقيقة هذا الموضوع يثير من جديد قضية التياين بين منهج المتقدمين والمتأخرين في الصناعة الحديثية وهو ما ترتب عليه التباين والإختلاف في تصحيح أخبار أعلها المتقدمون وحكموا عليها بالرد إلى جانب مسألة مهمة وهي نقد المتون والذي كان دأب المتقدمين وهو ما أهمله كثير ممن هم علي منهج المتأخرين ومن سلكوا طريقة الفقهاء في ذلك ولعل من أبرز مالتسم به هذا المنهج هو تلفيق الأسانيد بعضها ببعض وإن كان كل منها فيه الجهالة والنكارة وتحسين الأحاديث بتلك الطريقةوقد تصحح أحاديث ظاهرة نكارة المتن لا لشيء إلا لإعمال هذه القاعدة الفاسدة حتى وإن كان أكبر حفاظ الأمة يعلونها كمن حسن أحاديث كشف الوجه أو نوم النبي عليه السلام جنبا بدون مس الماء وغيرها كثير ... فهل نهمل كلام من اختلط الحديث بشحمهم ولحمهم من أجل قواعد نظرية غير منظبطة؟؟ لا شك يجب الأخذ بكلام المتقدمين في إعلال الأحاديث ونقد أسانيدها وإن كان ظاهرها الصحة فهذا مبحث دقيق لا يعلمه إلا أصحابه فوجب الأخذ بأقوالهم لا محالة والسير على دربهم ففيه النجاة
وقد سئل العلامة المحدث عبد الله السعد عن المنهج الصحيح في تقوية الطرق الضعيفة؟ فأجاب:
طبعاً لا يخفى أنّ الأحاديث على قسمين: أحاديث ثابتة بذاتها، وإمّا أحاديث ثابتة بمجموع طرقها. والسؤال هو عن هذا القسم الثاني. فهناك أحاديث إنما تثبت بمجموع الطرق وليس في كل طريق لذاته.
وأحب أن أنبه قبل أن أكمل الجواب بإذن الله أن هناك من يعزو للمتقدمين بأنهم لا يرون تقوية الطرق بالشواهد والمتابعات، وهذا غير صحيح: هناك من يرى أن لا يتقوى الحديث بالشواهد وهذا ليس من مذهب المتقدمين. نعم هذا من منهج أبي محمد بن حزم (رحمه الله) فهو يرى أن الخبر إذا كانت جميع طرقه ضعيفة أنها لا تتقوى وأن هذا الخبر لا يثبت مهما بلغت هذه الطرق إذا كان كل طريق لوحده ضعيف وهناك ممن يسير على هذا المنهج. وأما المنهج الصحيح فهو أن الأسانيد إذا تعددت والطرق تكاثرت فهنا يقوى الخبر: لكن هذا بشروط، وقبل أن أذكر الشروط أقول: ومما يدل على أن الأئمة المتقدمين يرون ذلك أنهم يقولون: يكتب حديث فلان للاعتبار، ويكتب في الشواهد، وكما قال الدارقطني: أن رواية العبادلة يعتبر بها، وكما قال أبو عيسى الترمذي في كتاب العلل الصغير في معنى الحسن عنده أو مقصوده بالحسن: "هو أن يروى من غير وجه ويكون في إسناده كذاب وأن لا يكون شاذاً". وقد تكلم الإمام الشافعي متى يتقوى المرسل تكلم على ذلك في كتابه الرسالة. فإذاً: الأئمة المتقدمون يرون ذلك.
ولكن فرق بين منهج الأئمة المتقدمين وبين منهج من تأخر في ذلك أن: الأئمة المتقدمون ما كانوا يتوسعون في ذلك بخلاف المتأخرين أو كثير من المتأخرين، وهذا الذي أقصده، لا أقصد كل المتأخرين، وإنما أقصد كثير منهم، أو جمع كبير منهم، أنهم توسعوا في تقوية الحديث الضعيف بمجموع طرقه حتى وصل بهم إلا أنهم يقوون الأحاديث المنكرة والباطلة والأحاديث البينة الضعف.
ومن ذلك (مثلاً) أنّ الرسول (صلى الله عليه وسلّم) كان يخلل لحيته، وهذا الحديث ضعيف ولا يصح من جميع طرقه، ولذلك جاء عن الإمام أحمد وجاء كذلك عن أبي حاتم الرازي أن هذا الخبر لا يصح. و (مثلاً) حديث التسمية عند الوضوء "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" أيضاً هذا الحديث له طرق كثيرة ولا يصح منها شيء ضعفه أيضاً الإمام أحمد وأيضاً أبو بكر بن المنذر، وأيضاً هذا ظاهر كلام ابن حبان وقبله البخاري والترمذي بينما تجد أن هذه الأحاديث قد قواها وصححها أو حسنها جمع ممن تأخر من أهل العلم. فالفرق بين منهج الأئمة المتقدمين وبين من تأخر أنهم لا يتوسعون في تقوية الأخبار الضعيفة بل لهم شروط.
ومن هذه الشروط:
1) أن يكون هذا الضعف يسيراً لا يكون هذا الضعف شديداً، وأيضاً هذا يقوله من تأخر ولكن عند التطبيق قد لا يلتزمون بهذا الشرط، فلا بد أن يكون هذا الضعف ليس بالشديد، أن يكون (مثلاً) فيه راوٍ معروف بالحفظ ثم اختلط، فإن جاء ما يشهد له وهنا يتقوى وهذا يدل على أنه قد حفظ هنا أو تسيء الحفظ ولا يكون سيئ الحفظ جداً، فلا بد أن لا يكون هذا الضعف شديداً، أو يكون مرسل لكبار التابعين وجاء من طرق أخرى مراسيل مثله أو أسانيد موصولة فيها ضعف فهنا يتقوى، وهكذا.
2) فيما يتعلق بالمتن فلا بد أن يكون المتن الذي يشهد لهذا مثله أو يوافقه في أكثر ألفاظه، لأنه لوحظ أن هناك من يقوي الأخبار بطريقة وهي أنه يأتي بالحديث الضعيف ويقول (مثلاً) أن هذه الكلمة من هذا الحديث أو هذه الجملة يشهد لها الحديث الفلاني وهذه الجملة يشهد لها الحديث الفلاني وهذه الجملة يشهد لها الححديث الفلاني، وهكذا، وبالتالي يكون الخبر ثابتاً، لا هذا غير صحيح. وإنما لابد أن يكون المتن الذي يراد به تقوية هذا الخبر، أي المتن الذي جاء في الطريق الأخرى، أن يكون هو مثل المتن الذي جاء في الطريق الأولى، أو في أكثر ألفاظه بحيث يغالب على الظن أن هذا الحديث واحد: رواه فلان وكذلك رواه فلان، فهذا أيضاً لا بد من ملاحظته في الحكم على الحديث وعند تقويته لابد من هذه الملاحظة.
كذلك عندما تكون الزيادة شاذة أو يكون الخبر منكراً ومعلولاً فهنا أيضاً ينبغي الانتباه لهذا، ومثل هذا لا يقوى الخبر. الخبر في مثل هذه الحالة لا يقوى ولا يتقوى. اه
وللشيخ أيضا مبحث نفيس في بيان منهج المتقدمين: http://www.alssad.com/publish/article_210.shtml
هذا والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم
¥