قوله " وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذِكره ": قال القاضي عياض رضي الله عنه: الحرف الذي تركه هو قول " اغسلي عنك الدم وتوضئي "، ذَكر هذه الزيادة النسائي وغيره، وأسقطها مسلم؛ لأنها مما انفرد به حماد. " شرح مسلم " (4/ 22).
وللعلم فقد تكرر كثيراً في كلام الإمام مسلم مثل هذا الاستعمال والإطلاق وكذا وجدته عند الترمذي وأبي داود، وذلك في تعليقاتهم على الأحاديث وبيان اختلاف الرواة في بعض ألفاظ الحديث وجمله.
ثالثاً:
والذي يظهر أن " الحرف " المراد من حديث ابن مسعود في فضل قراءة القرآن هو بالمعنى الثاني وهو الحرف بمعنى الكلمة لا بالمعنى الأول ولا الثالث! وبيان ذلك:
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن قرأ حرفاً مِن كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {الم} حرف، ولكن ألِف حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف ".
رواه الترمذي (2910)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (6469).
وإذا دقَّقنا النظر في الحديث وألفاظه نجد أن الأجر كان على الحرف، والحرف الذي ذَكره النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً هو: ألِف، و لام، و ميم.
والحرف هنا هو الكلمة التامة أو الضمير دون الحرف الاصطلاحي وإلا لكان الأجر على قراءة الألِف في {الم} هو: ثلاثون حسنة مضاعفة! لأننا نقرأ هذا الحرف - المراد في الحديث – ثلاثة أحرف اصطلاحية – بالمعنى الأول السابق - وهي: أ، ل، م!! لكن ليس هذا هو مقصود الحديث، بل جعل اللفظ كاملا وهو " ألِف " والتي كتبت: ا، هو الذي يكسب قارئه عشر حسنات مضاعفة!
رابعاً:
ويمكن توضيح ما سبق بمثال، وهو أن نقول:
ما هو الأجر المترتب على قراءة أول سورة الشرح هو قوله تعالى {ألم نشرح .. }؟
إنه بحسب المشهور: ثلاثون حسنة مضاعفة لأنهم يقولون: أ: عشر حسنات مضاعفة، و: ل: كذلك، و م: كذلك!
ولئن سألتَ هذا القائل: لم قلتَ هذا؟ لقال لك: لأنها ثلاثة حروف وكل حرف بعشر حسنات!
لكن هل هذا هو الفهم الصحيح للحديث؟
الجواب: لا.
فالحرف الأول – المراد في الحديث – من أول سورة " البقرة " لا يساوي في النطق والقراءة الحرفَ الأول من أول سورة " الشرح " فنطق الحرف الأول من الأولى " ألِف " بينما نطق الحرف الأول من الثانية " أَ "!
وهكذا يقال في الحرف الثاني " لام " فإنه لا يساوي " ل "، والحرف الثالث " ميم " لا يساوي " م ".
وينبغي تذكر أن الأجر لو كان على النطق للحرف الهجائي لكان الأجر على نطقك للحرف الثاني من أول سورة البقرة – مثلا – وهو " لام " - ثلاثين حسنة مضاعفة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الأجر عشر حسنات مضاعفة.
ومثال ثانٍ:
قوله تعالى {ن} في أول سورة " القلم "، مع قوله تعالى {وذا النون} [الأنبياء / 87]!
فمن حيث النطق والقراءة للحرف الأول من سورة " القلم " هو مثل قراءة الكلمة كاملة – من غير أل التعريف – مِن الآية الأخرى من سورة " الأنبياء "، فهل يكون أجر قراءة الحرف الأول {ن} مساوياً في الأجر لكلمة كاملة فيها حرفا " ن " – عدا عن " و "!؟
الجواب: نعم.
فإذا مشيتَ على غير هذا فإنك تجعل قراءة كلمة " نون " من سورة الأنبياء بثلاثين حسنة مع جعلك للفظ نفسه وبالنطق نفسه لأول سورة " القلم " بعشر حسنات! وهو ما ليس بظاهر.
فالعبرة إذن بالمثال الذي ذَكره النبي صلى الله عليه وسلم، والأجر على القراءة للحرف بمعنى الكلمة لا الحرف الهجائي.
خامساً:
فإن قال قائل: يُعكِّر على هذا حديثان:
الأول:
قال الطبراني:
حدثنا أحمد بن رشدين قال حدثنا عبد الله بن محمد الفهمي قال حدثنا سليمان بن بلال عن أبي عبد العزيز موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن أبي محمد عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله: " مَن قرأ حرفاً مِن القرآن كُتبت له حسنةٌ، ولا أقول {الم ذلك الكتاب} ولكن الألف حرف، واللام حرف، والميم حرف، والذال حرف، واللام حرف، والكاف حرف.
رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1/ 101)، وفي " المعجم الكبير " (18/ 76).
الثاني:
قال البيهقي:
¥