كالدارقطني وابن عمار وابن العطار. وقد ذكر جماعة من أهل العلم الإجماع على تلقي أحاديث الصحيحين بالقبول ما لم يكن منتقداً عليهما أو على
أحدهما،وحديثنا هذا من الأحاديث التي لم ينتقدها ويعلّها أحد منهم كما تقدم.
ونعود الآن لمناقشة الكاتب فيما ادعاه:
أولاـ عدم سماع عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّاني من أبي قَتَادَة. فالإسناد منقطع!
وحجته في هذا قول الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ:
"لانعرف سماعه ـ يعني عبد الله بن مَعْبَد ـ من أبي قَتَادَة".
[التاريخ الكبير3/ 67و5/ 198 التاريخ الصغير 1/ 266].
وكلام الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ يمكن أن يجاب عنه بما يلي:
أـ قوله: (لانعرف سماعه من أبي قتادة) يعني به:
أنه لم يقف على التصريح بالسماع لا أنه حكم على عدم السماع، وإلا لقال: لم يسمع منه،أوقال: مرسل،كما هي عادته ـ رحمه الله ـ.
ب ـ أن جماعة من الأئمة أثبتوا سماعه ولم يروا قول البخاري شيئاً، كما دل عليه صنيع من صحح حديثه: مسلم والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وابن عبد البر وغيرهم،والمثبت مقدم على النافي كما يعلم.
جـ ـ أن ابن أبي حاتم (1/ 260) والدارقطني ذكروا هذا الحديث في "العلل" مرجحين بين أوجه الاختلاف في أسانيده على غيلان بن جرير ولم يعلّوه بالانقطاع وعدم سماع عبد الله بن مَعْبَد من أبي قَتَادَة مطلقاً،ولوكانت هذه علّة لديهم لصاحوا بها.
فقد سئل الدارقطني كما في "العلل" (6/ 152):
((عن حديث عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة:أن رسول الله سئل عن رجل صام الدهر؟ فقال: لا صام ولا أفطر، وسئل عمن يصوم يومين
ويفطر يوما؟ قال: وأيكم يطيق ذلك الحديث بطوله.
فقال: يرويه غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزماني.
واختلف عنه فرواه واختلف عنه فقال سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة.
وقيل:عن شعبة عن قتادة عن غيلان عن عبد الله بن معبد عن أبي قتادة ورواه منصور بن زاذان والحكم بن هشام عن قتادة عن عبد الله بن معبد عن أبي
قتادة،لم يذكر بينهما غيلان، وقيل: عن الحكم عن أيوب عن عبد الله بن معبد ولا يصح ذكر أيوب فيه.
ورواه شعبة بن الحجاج ومهدي بن ميمون وأبان العطار وأبو هلال الراسبي وحماد بن زيد:عن غيلان عن عبد الله بن معبد عن أبي قتادة.
إلا أن أبا هلال من بينهم جعله عن أبي قتادة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه،والصحيح عن أبي قتادة أنه سمع رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم
عن الصيام؟ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله كيف من يصوم الدهر؟
ورواه حجاج بن الحجاج عن غيلان.
واختلف عنه فرواه إبراهيم بن طهمان عن حجاج عن غيلان عن عبد الله بن معبد عن أبي قتادة.
وخالفه هارون بن مسلم العجلي وكان ضعيفا رواه عن حجاج عن غيلان عن عبد الله بن معبد عن عبد الله بن أبي قتادة،ووهم في ذكر عبد الله بن أبي قتادة.
والصواب قول قتادة وشعبة ومن وافقهما)).
دـ قال ابن حزم في "المحلى" (7/ 18): "وقد تكلم في سماع عبد الله بن معبد الزماني من أبي قتادة".
ثم أجاب عن هذا فقال (7/ 19): "وأما سماع عبد الله بن معبد من أبي قتادة فعبد الله ثقة والثقات مقبولون لا يحل رد رواياتهم بالظنون ".
هـ ـ الذي اعتمده ورجحه المزي في "التهذيب" (16/ 168)،والذهبي وابن حجر صحة سماعه من أبي قتادة.
قال ابن حجر في "التهذيب" (6/ 36):
"عبد الله بن معبد الزماني البصري روى عن أبي قتادة وأبي هريرة وعبد الله بن عتبة بن مسعود وأرسل عن عمر وعنه قتادة وغيلان بن جرير وثابت البناني والحجاج بن عتاب العبدي.
قال النسائي: ثقة،وقال أبو زرعة: لم يدرك عمر،قلت: وقال البخاري لا يعرف سماعه من أبي قتادة .. ".
وقال الذهبي في"ديوان الضعفاء" (ص229):
"قال البخاري: لايعرف له سماع من أبي قتادة، قلت ـ الذهبي ـ: لايضره ذلك ".
ثانياً ـ أما عن إيراد بعض أئمة الحديث في عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّاني في كتب الضعفاء لعدم سماعه من أبي قَتَادَة.
فإن من المعلوم أن أئمة الجرح والتعديل يذكرون ويوردون في مصنفاتهم في "الضعفاء" كل من تكلم فيه سواء كان الكلام قادحا في عدالته أو غير قادح
،والشواهد على هذا كثيرة،فهاهو الإمام العقيلي يورد الإمام الكبير علي بن المديني في كتابه في الضعفاء، حتى قال الذهبي مستنكرا عليه صنيعه هذا: أما لك عقل يا عقيلي!.
¥