قال الحافظ ابن نصر: حدثنا يحي ابن يحي ثنا سفيان بن عيينة عن هشام- بن حجير- عن طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى (فأولئك هم الكافرون) قال: ليس الكفر الذي يذهبون إليه.
وهذا الإسناد رجاله ثقاتٌ غير هشام بن حجير المكي. فقد ضعفه الأئمة الجبال:
قال علي بن المديني قرأت على يحي بن سعيد: ثنا بن جريج عن هشام بن حجير حديثا، قال يحي بن سعيد: خليق أن أدعه. قلت: أضرب على حديثه؟ قال: نعم.
قال بن عدي كتب إلي محمد بن الحسن: ثنا عمرو بن علي سمعت يحي سئل عن حديث هشام بن حجير فأبى أن يحدث به ولم يرضه.
قال عبد الله بن أحمد: سألت يحي عن هشام بن حجير فضعفه جداً.
وقال سمعت أبي يقول: هشام بن حجير مكيٌ ضعيف الحديث.
قال أبو حاتم: يكتب حديثه.
وذكره العقيلي في الضعفاء.
ومع تضعيف هؤلاء الجبال الرواسي لـ هشام بن حجير تعلق البعض بتوثيق بعض الأئمة له، فمن هؤلاء الأئمة ابن حبان، وابن سعد، وابن شاهين والعجلي.
أما ابن سعد فلا يعتمد توثيقه إذا خالف الأئمة لأنه يعتمد على الواقدي ومادته في الطبقات منه في الغالب والواقدي ليس بمعتمد.
وأما ابن حبان والعجلي فمشهوران بالتساهل في توثيق المجاهيل ويؤخذ بتوثيقهم لغير المجاهيل لكنهما في هشام قد خالفا أئمة الجرح والتعديل وأساطين هذا الفن وركائز علم العلل ومعرفة الرجال. لذا قال عنه الحافظ ابن حجر: (صدوق له أوهام) ولم يجعله في مرتبة من يقبل حديثه لو انفرد، فكيف يعارض بقول ابن حبان والعجلي وابن شاهين في رجلٍ ضعفه أحمد بن حنبل، ويحي بن معين، وتركه يحي بن سعيد، وضرب علي بن المديني على حديثه. وتمسك البعض بأنه من رجال الصحيحين وهذا تمسك فاسد لأنه لم يروِ له البخاري ولا مسلم إلا مقروناً بغيره من الثقات ولم يحتجا به في الأصول فالقول فيه ما قاله الإمام أبو حاتم: (يكتب حديثُهُ). أي ليتابع به، فإن حديثه يصلح في الشواهد. أما في هذا الأثر فالراجح أنه لم يتابع عليه بل انفرد بهذه الرواية لأنا لم نجد من يتابعه ولم نجزم بذلك إلا بعد أن وقفنا على قول الإمام سفيان بن عيينة في روايته عن هشام.
روى العقيلي في الضعفاء عن ابن عيينة قال: لم نأخذ منه إلا ما لا نجد عند غيره.
أي كل ما رواه سفيان عن هشام فهو من ما انفرد به وإلا لأخذه من غيره فثبت بذلك ضعف قول علي بن حسن الحلبي: (وعلى هذا فإن الأخبار الأخرى الواردة عن ابن عباس بالأسانيد الثابتة في معني الخبر نفسه تقوي خبره هذا ولا ترده كما سيأتي فهو حسن لغيره على أقل الأقوال).
ثم رد الحلبي على بعض الأفاضل الذي أرسل إليه رداً على تصحيحه للأثر بأن قال: (لكن لي عليه بعض الملاحظات أهمها أنه- حفظه الله- لم يشر إلى مسألة الشواهد الواردة في معنى هذا الخبر الذي اجتهد في تضعيفه).
ونقول بل هو الذي اجتهد في تصحيح هذا الأثر فقد بحث وبحث ليخرج له شواهد يَتَعَضَّدُ بها فإليك هذه الشواهد التي ذكرها بعد أن قال: (كما سيأتي)!!
الطريق الخامسة:
روى الحاكم من طريق علي بن حرب عن سفيان به بلفظ: (إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة (فأولئك هم الكافرون) كفر دون كفر). وزاد بعضهم (وظلم دون ظلم وفسق دون فسق).
وهذه الطريق أيضا من رواية هشام بن حجير، وهي ضعيفة كما قدمنا، ولا أدري بعد أن جعلها طريقا آخر خامسا للأثر أجعلها شاهداً للطريق الرابعة أم لا؟! فإنه قال: (كما سيأتي). فإن كان كذلك فيكون هذا من الطرائف أن يشهد ابن حجير لابن حجير!!
ثم إن هذه الرواية ملفقة من عدة روايات مما يدل على الوهم والخطأ الذي وقع فيها فإنها جمعت كل الألفاظ سابقة الذكر.
الطريق السادسة:
قال ابن جرير الطبري حدثنا المثنى ثنا عبد الله بن صالح قال ثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (فأولئك هم الكافرون) قال من جحد ما أنزلت فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق.
عبد الله بن صالح هو: ابن محمد بن مسلم الجهني المصري كاتب الليث بن سعد وهو ضعيف.
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد فقال كان أول أمره متماسك ثم فسد بآخره وليس هو بشيء،
قال ابن المديني: لا أروي عنه شيئاً،
وقال النسائي: ليس بثقة،
قال أحمد بن صالح: متهم ليس بشيء،
قال صالح جزرة: كان ابن معين يوثقه وهو عندي يكذب في الحديث،
¥