For assistance, contact Customer Support.
ـ[عبد الله زقيل]ــــــــ[25 - 02 - 05, 02:30 م]ـ
الحديث الخامس
تخريجُ حديثِ: " لا يزال الجهاد حلواً خضراً ... "
الحمدُ للهِ وبعدُ؛
يستدلُ بعضُ الناسِ على مسألةٍ في الجهادِ بحديثٍ عن النبي صلى اللهُ عليه، وفحوى الحديث أنه سيأتي على الناسِ زمانٌ لا يكونُ هناك شيءٌ يقالُ له: " جهادٌ "، وفي هذه الأسطرِ سأبينُ حال الحديثِ من جهةِ ثبوتهِ وعدم ثبوتهِ.
* أولاً: نصُ الحديثِ:
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزالُ الجهادُ حلواً خضراً ما أمطرت السماءُ وأنبتت الأرضُ، وسينشو نشو من قبلِ المشرقِ يقولون: " لا جهاد ولا رباط أولئك هم وقودُ النارِ بل رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من عتقِ ألفِ رقبةٍ، ومن صدقةِ أهلِ الأرضِ جميعاً ".
* ثانياً: تخريجُ الحديثِ:
أخرجهُ ابنُ عساكرٍ في " تاريخِ دمشق " (43/ 347): أخبرنا أبو الحسن الشافعي، وأبو الحسن بن دريد قالا: أنا نصر بن إبراهيم زاد الشافعي، وأبو محمد بن فضيل قالا: أنا أبو الحسن بن عوف، أنا أبو علي بن منير، أنا أبو بكر محمد بن خريم، نا هشام بن عمار، نا أبي: عمار بن نصير بن ميسرة بن أبان الظفري، نا عباد بن كثير، عن يزيد الرقاشي عن أنس به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جداً فيه:
1 – يزيدُ الرقاشي: هو يزيدُ بنُ أبان الرَّقَاشي أبو عمرو البصري القاص من زهادِ البصرةِ.
وكلامُ أهلِ العلم فيه طويل، من ذلك:
قال البخاري: تكلم فيه شعبةُ. وقال أبو طالب: سمعتُ أحمدَ بنَ حنبل يقول: " لا يكتبُ حديث يزيد الرقاشي. قلت له: فلم تُرك حديثهُ، لهوى كان فيه؟ قال: لا، ولكن كان منكر الحديثِ. وقال: شعبةُ يحملُ عليه، وكان قاصاً. وقال أبو حاتم: كان واعظاً بكاءً كثير الروايةِ عن أنس بما فيه نظرٌ، صاحبُ عبادةٍ، وفي حديثهِ ضعفٌ.
وقد لخص ابنُ حبان الكلامَ فيه فقال: " كان من خيارِ عبادِ اللهِ من البكائين في الخلواتِ والقائمين بالحقائق في السبراتِ، ممن غفل عن صناعةِ الحديثِ وحفظها، واشتغل بالعبادةِ وأسبابها حتى كان يقلبُ كلامَ الحسن فيجعله عن أنس وغيره من الثقات بطل الاحتجاجُ به، فلا تحلُ الروايةُ عنه إلا على سبيل التعجب ".
2 – عبادُ بنُ كثير: يوجد اثنان بهذا الاسم عبادُ بنُ كثير الثقفي البصري، وعبادُ بنُ كثير الرملي الفلسطيني الشامي، ولم أجد في ترجمتهما روايةً عن يزيد الرقاشي، والذي يغلب على ظني أنه الأولُ لأن الرقاشي بصري فيكون بلديهُ. فإن كان الأولُ فهو متروكُ الحديثِ، والثاني لا يبعدُ عنه كثيراً.
ولو لم يكن في الإسناد إلا هذان الرجلان لكفى في ردِ الحديثِ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأوردهُ السيوطي في " جمع الجوامعِ " (1/ 929) وعزاهُ لابن عساكر وقال: " ضعفهُ ".
وقد جاء الحديث من طريقٍ آخر عند أبي عمرو الداني في " السنن الواردةِ في الفتنِ وغوائلها والساعة وأشراطها " (3/ 751 ح 371) مرسلاً من طريق محمد بن أبي محمد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعيد، قال حدثنا يوسف بن يحيى، قال: حدثنا عبدالملك، قال: حدثنا الطلحي، عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه بلفظ: " لا يزالُ الجهادُ حلواً أخضر، ما قطر القطرُ من السماءِ، وسيأتي على الناسِ زمانٌ يقولُ فيه قراءٌ منهم: ليس هذا زمانُ جهادٍ، فمن أدرك ذلك الزمان، فنعم زمانُ الجهادِ، قالوا: يا رسول الله، واحدٌ يقولُ ذلك؟ فقال: نعم، من عليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين.
وهذا السندُ فيه عبدُ الرحمن بنُ زيد بن أسلم العدوي ضعفه سائرُ أهلِ العلم ولهذا قال ابنُ الجوزي: " أجمعوا على ضعفهِ ".
والعلةُ الأخرى الإرسال، فزيدُ بنُ أسلم لم يرَ النبي صلى اللهُ عليه وسلم، والمرسلُ من أقسامِ الضعيفِ كما قرر ذلك أهلُ العلم.
وقد ورد حديثٌ آخر بنفسِ المعنى عند أبي يعلى في " مسنده " (9/ 274 – 275) من طريق داود بنِ رشيد، حدثنا بقيةُ بنُ الوليد، عن علي بنِ علي، حدثني يونس، عن الزهري، عن عبيدِ الله بنِ عبدِ الله، عن ابنِ مسعود قال: جاءهُ رجلٌ فقال: أسمعتَ رسولَ اللهِ يقولُ في الخيلِ شيئاً قال: نعم؛ سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يقولُ: " الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يومِ القيامةِ. اشتروا على اللهِ، واستقرضوا على اللهِ ". قيل: " يا رسولَ الله؛ كيف نشتري على اللهِ ونستقرضُ على اللهِ؟ "، قال: " قولوا أقرضنا إلى مقاسمنا وبِعْنا إلى أن يفتحَ اللهُ لنا، لا تزالون بخيرٍ ما دام جهادكم خضراً، وسيكونُ في آخرِ الزمانِ قوم يشكُّون في الجهادِ، فجاهدوا في زمانهم ثم اغزوا فإن الغزو يومئذٍ أخضرُ.
قال محققُ مسندِ أبي يعلى عن الحديثِ: " إسنادهُ ضعيفٌ لانقطاعهِ، عبيدُ اللهِ كان يرسلُ عن ابنِ مسعودٍ، وبقيةُ بنُ الوليدِ مدلسٌ وقد عنعن. وذكرهُ الهيثمي في " المجمع " (5/ 280) وقال: " رواه أبو يعلى، وفيه بقيةُ بنُ الوليدِ وهو مدلسٌ، وبقيةُ رجاله ثقاتٌ ".
وبهذا يتبينُ أن الحديثَ بجميعِ طرقهِ لا يصحُ عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم، وأن الجهادَ ماضٍ إلى يومِ القيامةِ، وقد تمرُ بالأمةِ حالاتُ ضعفٍ يضعفُ معها أمرُ الجهادِ، ولكن لا يعني أنه يمتنعُ بالكليةِ في جميعِ العصورِ والأزمان. والله أعلم.
حرر في 6 - 5 - 1425 هـ
أحاديث وقصص لا تثبتُ انتشرت عبر البريدِ الإلكتروني
( http://saaid.net/Doat/Zugail/321.htm)
¥