تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال البيهقي في سننه الكبرى (3\ 163): «تفرد به قتيبة بن سعيد عن ليث عن يزيد». ثم نقل اتهام البخاري لخالد المدائني بوضع الحديث، ثم قال البيهقي: «وإنما أنكروا من هذا رواية يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل (التي رواها قتيبة عن الليث عن يزيد). فأما رواية أبي الزبير عن أبي الطفيل فهي محفوظة صحيحة». وهذا القول سمعه بعض الفقهاء ممن ليس لهم فهم في الحديث، فظنوا أن البيهقي قد صحح حديث قتيبة! مع أن كلامه عن رواية أبي الزبير التي في الصحيح، أما رواية قتيبة فهو نفسه أعلها بالتفرد ونقل كلام البخاري بأنها موضوعة. فكيف ينسبون له تصحيحها؟!

ومن المهازل أن نرى الفقهاء يقولون في كتبهم عن هذا الحديث: «أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني والبيهقي والحاكم»! ثم يقولون: «قال الترمذي حديث حسن، وقال البيهقي هو محفوظ صحيح»!! وقد بيّنّا أنه لم يصححه أو يحسنه أحدٌ من هؤلاء. أما أبو داود فقد أنكره وضعفه، وأما الترمذي فقد قال "حسن غريب" ثم بيّن ضعفه. والبيهقي أشار لوضعه ونكارته. والدارقطني تكلم عليه بكلام طويل وأشار إلى نكارته. والحاكم هو أكثر من فصّلَ في أن الحديث موضوع. فظهر لك كيف أن الفقهاء بضاعتهم مزّاجة. لم يتوقف الأمر على جهلهم في الحديث، لكنهم لم يعرفوا ولا حتى التقليد في نقل الأقوال عن علماء الحديث.

وقد ضعف ابن حزم هذا الحديث بسبب انقطاع سنده، وبسبب تضعيف البخاري له. لكن ابن حزم شذّ بإضافة سببٍ جديدٍ لتضعيف الحديث بطعنه في الصحابي الجليل أبي طفيل! فقال عنه في المحلى (3\ 174): «أبا الطفيل صاحب راية المختار، وذُكِر أنه كان يقول بالرجعة». قلنا إنما خرج مع المختار على قاتلي الحسين ? لأخذ الثأر منهم، ولم يَعلم من المختار الإيمان بالرجعة. قال ابن القيم في "حاشيته على سنن أبي داود" (1\ 181): «وقد طعن أبو محمد بن حزم في أبي الطفيل، وردّ روايته بكونه كان صاحب راية المختار أيضاً. مع أن أبا الطفيل كان من الصحابة. ولكن لم يكونوا يعلمون ما في نفْسِ المختار وما يُسُرّه». وطعنه في عدالة الصحابي أمر جد خطير مخالف للجمهور خاصة في مسألة هو المخطئ فيها. وصحبته ثابتة لا مطعن فيها. وقد أخرج له الأربعة حديثه. بل قد أخرج له مسلم في صحيحه (4\ 1820) قوله: «رأيت رسول الله ?، وما على وجه الأرض (أي اليوم) رجل رآه غيري». ولذلك لا يؤخذ ما تفرد به ابن حزم من رأيٍ في الرجال.

وقد سبق وقلنا أن الذي لم يعرف علة الحديث، رده بمجرد الشذوذ. وقد اجتمع في هذا الحديث التفرد بالإسناد والتفرد بالمتن. لذلك قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (12\ 467): «لَمْ يروِ حَدِيْث يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن الليث: غَيْر قتيبة. وهو مُنكَرٌ جداً من حديثه. ويَرَوْنَ (أي علماء الحديث) أن خالداً المدائني أدخله على الليث، وسمعه قتيبة معه». وقد أعله الطبراني أيضاً فقال في المعجم الصغير (1\ 391): «لم يُروى هذا الحديث عن معاذ، إلا بهذا الإسناد. تفرد به قتيبة». لكن كثيراً من المتأخرين لم يفهم معنى كلام هؤلاء الحفاظ. فتجدهم يقولون أن التفرد لا يضر لأن قتيبة ثقة، وتفرد الثقة مقبول كما هو مُقرّرٌ في كتب المصطلح! أقول: وقد سبق وبينا –في أول هذا البحث– الاختلاف في تعريف الحديث الشاذ بين المتقدمين والمتأخرين.

ـ[محمد الأمين]ــــــــ[08 - 06 - 03, 08:25 ص]ـ

ومن العبارات التي أساء المتأخرون فهمها هو قول الحافظ أبو سعيد بن يونس المصري (ت 347هـ): «لَمْ يحدِّث بِهِ إلا قتيبة، ويقال: إنه غلط، وإن موضع يزيد بن أبي حبيب: أبو الزبير». نقله المِزِّي في تهذيب الكمال (23\ 535) في ترجمة قتيبة. فإن ابن يونس لم يعرف علة الحديث (وهي المدائني) مع إقراره بشذوذه، فجعل علة الحديث هو خطأ من قتيبة. لكن المحققين من المتأخرين مالوا إلى كلامه وأعرضوا عن كلام البخاري.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير