تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا الحديث قد تفرد به نبهان القرشي المخزومي مولى أم سلمة، وهو مجهول العين كما أفاد البيهقي وابن عبد البر. قال عنه الذهبي في ذيل الضعفاء: قال ابن حزم: مجهول. (وهذا ينقض توثيقه في الكاشف، فتنبه). وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب": مقبول. يعني: عند المتابعة، وإلا فليّن الحديث عند التفرد –كما هي الحال هنا–. وهذا اصطلاحه في "تقريب التهذيب" كما نص عليه في مقدمته. والعجيب أن الحافظ ابن حجر ذهب إلى تقويته، فقال في الفتح (9

337): «حديث أم سلمة الحديث المشهور "أفعمياوان أنتما"، وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها. وإسناده قوي!! وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان. وليست بعلة قادحة. فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد، لا ترد روايته».

قلت: الرجل مجهول، لم يوثقه إلا ابن حبان (ت 354هـ) كعادته في توثيق المجاهيل من التابعين، فكيف لا تكون هذه عِلّة قادحة؟ و أما وصف الزهري لرجل بأنه مكاتب لأم سلمة فلا يفيد التوثيق. بل إن الزهري نفسه لم يلتزم الاقتصار في الرواية عن الثقات. و ابن حجر نفسه يقول عن هذا الرجل مقبول (وهو لفظ تضعيف)، فكيف يصبح حديثه قوياً هنا؟! فقوله «إسناده قوي»، غير قوي لمخالفته لقوله في "التقريب" وللقواعد الحديثية. ثم إن قوله عن نبهان «مقبول»، غير مقبول، لأن حقه أن يقول مكانه «مجهول». وابن حجر يكثر من إطلاق كلمة مقبول على المجاهيل.

والحديث مخالف لحديث فاطمة بنت قيس الذي أخرجه مسلم في صحيحه. وأصرح منه رواية الطبراني –بسند صححه الألباني– في "الكبير" عنها، قالت: «وأمرني r أن أكون عند أم مكتوم، فإنه مكفوف البصر لا يراني حين أخلع خماري». قال أبو داود كما في نسخة "عون المعبود": «هذا لأزواج النبي r خاصة. ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم؟ قد قال النبي r لفاطمة بنت قيس: اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده». قلت الحديث موضوع، والله المستعان. إذ أن رسول الله r قد أذن لأمنا عائشة t بالنظر إلى الحبشة (كما في الصحيح)، وهي زوجته، مثلها مثل أم سلمة t. قال القرطبي في تفسيره: «هذا الحديث لا يصح عند أهل النقل، لأن راويه نبهان ممن لا يحتج بحديثه».

قال الإمام أحمد: «نبهان روى حديثين عجيبين: هذا الحديث، والآخر: "إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه"». وهذه إشارة منه إلى ضعف حديثه، إذ لم يرو إلا هذين الحديثين المخالفين للأحاديث الصحيحة. ونقل عنه الفقيه الحنبلي ابن مفلح في "المبدع" (7

11) أنه قال عن هذا الحديث: «ضعيف». وقال ابن عبد البر: «نبهان مجهول، لا يعرف إلا برواية الزهري عنه: هذا الحديث. وحديث فاطمة صحيحٌ، فالحجة به لازمة. ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص بأزواج رسول الله r. بذلك قال أحمد وأبو داود». وزاد ابنا قدامة المقدسيان: «وإن قدر التعارض، فتقديم الأحاديث الصحيحة أولى من الأخذ بحديث مفرد في إسناده مقال».

و الحديث ضعفه الأرنؤوط في شرح السنة (9

24) فقال: «وقال (أي الترمذي) حسن صحيح، مع أن في سنده نبهان –مولى أم سلمة– لم يوثقه غير ابن حبان، على عادته في توثيق المجاهيل». وقد ضعفه الألباني كذلك في غاية المرام (#203) وفي ضعيف أبي داود (#887) وضعيف الترمذي (#2940) و إرواء الغليل (#1806) و المشكاة (#3116). وهناك أحاديث أخرى –ضعفها الألباني وكفانا تخريجها– يستشهد بها من يرون منع المرأة من النظر إلى الرجل مثل: قول فاطمة t لما سئلت: ما خير للنساء؟ فقالت: «أن لا يرين الرجال ولا يرونهن». وحديث باطل أخر: «ما من امرأة تنزع خمارها في غير بيت زوجها، إلا كشفت الستر فيما بينها وبين ربها».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير