تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قد اختلفت أنظار العالم حول موقف البخاري من روايات الوحدان، فمنهم من نفى تخريج البخاري لرواياتهم في صحيحه، ومنهم من أثبت وجودها ومنهم من توسط في الأمر وذهب إلى أن البخاري لم يخرج لهم إلا شيئاً يسيراً لملابسات خاصة وإليك التفصيل.

ذهب الإمام الحاكم أبو عبد الله النيسابوري (ت 405هـ) إلى أن الإمام البخاري لم يرو عن الوحدان في صحيحه، وهذا في معرض كلامه على الحديث الصحيح في كتابه " المدخل في أصول الحديث " فقد قسم الحديث الصحيح إلى عشرة أقسام: خمسة متفق عليها من أحاديث الصحيحين يقول رحمه الله: " فالقسم الأول من المتفق عليها اختيار البخاري ومسلم، وهو الدرجة الأولى من الصحيح. ومثاله الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وله راويان ثقتان، ثم يرويه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة وله راويان ثقتان، ثم يرويه عن أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور، وله رواة من الطبقة الرابعة ثم يكون شيخ البخاري أو (ص 114) مسلم حافظاً متقناً مشهوراً بالعدالة في روايته فهذه الدرجة الأولى من الصحيح " ().

ويلاحظ هنا أن الحاكم عدَّ الصحابي الذي ليس له إلا راو واحد ليس مشهوراً. ومن هنا لا يصل حديثه إلى الدرجة العالية من الثقة التي تجعل البخاري ومسلم يأخذان بحديثه وقد عد الحاكم حديث مثل هذا النوع في الدرجة الثانية من درجات الصحيح المتفق عليه ومثل له بحديث عروة بن مضرس الطائي أنه قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمزدلفة: فقلت يا رسول الله أتيتك من جبل طيء، أتعبت نفسي، وأكلت مطيتي، ووالله ما تركت من جبل إلا وقد وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى معنا هذه الصلاة وقد أتى عرفة قبل ذلك بيوم أو ليلة فقد تم حجه، وقضى تفثه " ().

ثم عدد الحاكم كثيراً من الصحابة الذين رووا أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لكل واحد منهم إلا راو واحد ثم قال: " والشواهد كما ذكرنا كثيرة ولم يخرج البخاري ومسلم هذا النوع من الحديث في الصحيح " ().

وقد عارض أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي (ت 507هـ) الحاكم في هذا، وقرر أن البخاري ومسلماً لم يكن عندهما هذا الشرط ولا نقل على واحد منهما أنه قال بذلك وأن الحاكم لم يقدر هذا التقدير عن استقراء (ص 115) يصل به إلى نتيجة صحيحة، أو يقين، وإنما قاله على الظن، لأن ما في الصحيحين على خلاف ذلك. ثم ساق الأمثلة التي تنقض ما ذهب إليه الحاكم.

فقد أخرج البخاري حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يذهب الصالحون أسلافاً، ويقبض الصالحون أسلافاً، الأول، فالأول، حتى تبقى حثالة كحثالة التمر والشعير، لا يباهي الله عز وجل بهم شيئاً " () وليس لمرداس راو غير قيس.

وأخرج هو ومسلم حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب () قال: " إن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل فقال: أي عمي قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به: " على ملة عبد المطلب " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لأستغفرن لك ما لم أنه عنه " فنزلت: ? ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ? () ونزلت ?إنك لا تهدي من أحببت ? () " ولم يرو عن المسيب إلا ابنه سعيد بن المسيب.

وأخرج البخاري حديث الحسن البصري عن عمرو بن تغلب عن (ص 116) النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأعطي الرجل، والذي أدع أحب إلي … الحديث " () ولم يرو عن عمرو غير الحسن البصري.

كما يقرر أبو الفضل المقدسي أن هناك أمثلة في البخاري غير هذه، كما يشير إلى أن الحاكم ليس أول من ذهب إلى هذا، ولكن أبا عبد الله بن محمد بن إسحاق بن منده (ت 395هـ) ذهب إلى ذلك، وهما متعاصران.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير