ولقد تعقب العراقي النووي فقال: " لا شك أن الصحابة الذين بينت صحبتهم كلهم عدول ولكن الشأن هل تثبت الصحبة برواية واحد عنه أم لا تثبت إلا برواية اثنين. هذا محل نظر واختلاف بين أهل العلم. والحق أنه إن كان معروفاً بذكره في الغزوات أو فيمن وفد من الصحابة أو نحو ذلك فإنه تثبت صحبته وإن لم يرو عنه إلا راو واحد وإذا عرف ذلك فإن مرداساً من أهل الشجرة وربيعة من أهل الصفة فلا يضرهما انفراد راو واحد عن كل منهما " ().
وكان الصحابة الوحدان الذين روى لهم الإمام البخاري في صحيحه قد ثبتت صحبتهم لشهرتهم عند علماء السير والمغازي (). فلا يضر انفراد واحد (ص 120) بالرواية عنهم بالرواية عنهم، لأن الصحابة عدول كلهم لكن بقي النظر فيمن ليس له إلا راو واحد من غير الصحابة ممن أخرج لهم الإمام البخاري في صحيحه وهؤلاء الرواة هم:
1) حصين بن محمد الأنصاري: لم يرو عنه غير الزهري.
2) عبد الرحمن بن نمر اليحصبي: لم يرو عنه غير الوليد بن مسلم.
3) عمر بن محمد بن جبير بن مطعم: لم يرو عنه غير الزهري.
4) حماد بن حميد الخراساني: شيخ البخاري لم يرو عنه غيره.
5) عبيد الله بن محرز الكوفي: لم يذكروا له راوياً غير أبي نعيم الفضل بن دكين.
6) عطاء بن الحسن السوائي: روى عنه أبو إسحاق الشيباني. قال الحافظ: " ما وجدت له راوياً إلا الشيباني ولم أقف فيه على تعديل أو تجريح ".
7) عامر بن مصعب الذي يروي عن عائشة: لم يرو عنه – عند البخاري – إلا عبد الملك بن جريج.
8) أبو محمد الحضرمي: تفرد بالرواية عنه أبو الورد بن ثمامة بن حزن القشيري.
9) أبو نصر الأسدي، روى عنه خليفة بن حصين.
فهل انفرد البخاري بالتخريج لمثل هؤلاء " الوحدان "؟ كلا، إن الإمام البخاري لم ينفرد بهذا، بل نجد أن الإمام مسلماً – رحمه الله – قد خرج لمثل هؤلاء أيضاً في " صحيحه " فقد وافق البخاري في التخريج للراويين الأولين، وانفرد عنه بالتخريج لرواة آخرين مثل: (ص 121)
1) أحمد بن سعيد التستري.
2) جابر بن إسماعيل الحضرمي.
3) حبيب الأعور المدني.
4) عبد الله بن كثير المطلبي السهمي.
وبمراجعة تراجم هؤلاء الرواة في التهذيب والتقريب وغيرهما من كتب الرجال يتبين لنا أنهم "وحدان" ومن ثم فهم مجهولون على حسب المصطلح الجاري بين علماء الحديث.
وكذلك نجد الإمام ابن حبان قد اقتفى أثر الشيخين في التخريج لمن ليس له إلا راو واحد ثقة وإليك بعض الأمثلة على ذلك ():
1) بجير بن أبي بجير، ولم يرو عنه غير إسماعيل بن أمية.
2) ثابت الزرقي، لم يرو عنه غير الزهري.
3) عمر بن إسحاق، لم يرو عنه غير عون.
4) عيسى بن جارية، لم يرو عنه غير يعقوب بن عنبسة الرازي.
5) قدامة بن وبرة، لم يرو عنه غير قتادة.
6) نبيح العنزي، لم يرو عنه غير الأسود بن قيس.
فكل هؤلاء لا يعرف لهم إلا راو واحد ومع ذلك فقد ترجمعهم ابن حبان في كتابه الثقات وأخرج لهم في صحيحه.
وهذا يعني أن أصحاب الصحيح يخرجون لمن ليس له إلا راو واحد. لكن كيف يكون ذلك؟ إن الإجابة على هذا السؤال تكون بتخريج أحاديث هؤلاء الرواة جميعاً وتتبعها ودراستها وهذا يحتاج إلى وقت طويل وعمل علمي مستقل، لكن سأحاول – إن شاء الله – دراسة رواة البخاري الذين ليس (ص 122) لهم إلا راو واحد ثقة من خلال رواياتهم في الجامع الصحيح للوصول إلى موقف علمي مبني على الاستقراء والتتبع.
1 – حصين بن محمد الأنصاري السالمي ():
وهو أحد بني سالم، وهو من سراتهم () سأله الزهري عن حديث محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك فصدقه بذلك، وليس له في الصحيحين إلا حديث واحد () وهو ما يرويه ابن شهاب الزهري عن محمود بن الربيع الأنصاري حدثه أن عتبان بن مالك حدثه أنه أتى رسول الله فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم وددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى .. قال ابن شهاب ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري – وهو أحد بني سالم ومن سراتهم – عن حديث محمود بن الربيع فصدقه بذلك ().
¥