تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

شهرة شخص الراوي وهذه تنفي عنه جهالة العين، وشهرته بالطلب وهذه تتنفي عنه جهالة الحال. وقد أشار الحاكم إلى أن راوي الصحيح لابد أن يكون معروفاً بطلب العلم وقد استظهر الحافظ ذلك من صنيع الإمامين البخاري ومسلم في صحيحيهما. فكل رواة الصحيحين مشهورون بطلب العلم، وقد تداول أحاديثهم الحفاظ، وحيث يكون الراوي مقلاً ولم (ص 108) يتداول الحفاظ حديثه، يكون ذلك الحديث الذي يرويه عنه أصحاب الصحيح قد تعددت طرقه وانتشرت فيكون ذلك قائماً مقام الشهادة بثقته وضبطه.

ومع هذا نجد بعض رواة البخاري قد وصفوا بالجهالة من طرف بعض أئمة الجرح والتعديل، فما مدى تحقق هذا الوصف في هؤلاء الرواة؟

قال الحافظ – رحمه الله -: " أما جهالة الحال فمندفعة عن جميع من أخرج لهم في الصحيح لأن شرط الصحيح أن يكون راوية معروفاً بالعدالة، فمن زعم أن أحداً منهم مجهول، فكأنه نازع المصنف في دعواه أنه غير معروف، ولا شك أن المدعي لمعرفته مقدم على من يدعي عدم معرفته، لما مع المثبت من زيادة العلم، ومع ذلك فلا نجد في رجال الصحيح أحداً ممن يسوغ إطلاق اسم الجهالة عليه أصلاً " ().

وفيما يلي تراجم هؤلاء الرواة:

1 – أحمد بن عاصم البلخي:

معروف بالزهد والعبادة، له ترجمة في حلية الأولياء، وقد ذكره ابن حبان: فقال: روى عنه أهل بلده. وقال أبو حاتم الرازي: مجهول. روى عنه البخاري حديثاً واحداً في كتاب الرقاق، وهو في رواية المستملي وحده ().

2 – إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي المدني:

قال ابن القطان الفاسي: لا يعرف حاله (). وفي ما قاله نظر فإن إبراهيم هذا قد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين. وروى عنه أيضاً ولده (ص 109) إسماعيل والزهري () وليس له في صحيح البخاري إلا حديثاً واحداً في كتاب الأطعمة في دعائه صلى الله عليه وسلم في تمر جابر بالبركة حتى أوفى دينه () وهو حديث مشهور له طرق كثيرة عن جابر منها ():

عامر الشعبي عن جابر من طريق زكريا بن زائدة. أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام.

ومن طريق مغيرة عن الشعبي، أخرجه البخاري في كتاب البيوع.

ومن طريق فراس عن الشعبي، أخرجه البخاري في كتاب الوصايا.

ويرويه عن جابر أيضاً، وهب بن كيسان، أخرجه البخاري في كتاب الصلح.

ويرويه عن جابر أيضاً، ابن كعب بن مالك، أخرجه البخاري في الاستقراض والهبة.

ويرويه عن جابر نبيح العنزي، أخرجه الإمام أحمد.

ومما سبق يتبين أن جهالة إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي – على التسليم بها – لا تضر في صحة هذا الحديث لكثرة طرقه، واشتهار مخرجه، وهذا يؤيد ما نقلته عن الحافظ من أن كثرة الطرق يستغنى بها عن شهرة الراوي بالطلب عند الشيخين.

3 – أسامة بن حفص المدني:

قال الحافظ: ضعفه الأزدي، وقال أبو القاسم اللالكائي: مجهول. له في الصحيح حديث واحد في الذبائح () بمتابعة أبي خالد الأحمر (ص 110) والطفاوي. وقرأت بخط الذهبي في ميزانه، ليس بمجهول فقد روى عنه أربعة " () والظاهر من حال أسامة بن حفص أنه غير مشهور بالراوية. وذلك أن الإمام البخاري لما ذكره في تاريخه لم يزد على ما في هذا الإسناد حيث قال: " أسامة بن حفص المديني، عن هشام بن عروة، سمع منه محمد بن عبيد الله () " ولم يذكره ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل ".

ويظهر من صنيع الإمام البخاري أنه لم يحتج به لأنه قد أخرج هذا الحديث من رواية الطفاوي وغيره () ويؤخذ من صنيعه أيضاً أنه وإن اشترط في الصحيح أن يكون رواية من أهل الضبط والإتقان. أنه إن كان في الراوي قصور عن ذلك ووافقه على رواية ذلك الخبر من هو مثله انجبر ذلك القصور بذلك وصح الحديث على شرطه ().

4 – أسباب أبو اليسع:

قال أبو حاتم فيه: مجهول. روى له البخاري حديثاً واحداً في البيوع من روايته عن هشام الدستوائي مقروناً ().

5 – بيان بن عمرو البخاري العابد:

شيخ البخاري اثنى عليه ابن المديني ووثقه ابن حبان وابن عدي. وقال أبو حاتم: مجهول. قال الحافظ: ليس بمجهول من روى عنه البخاري وأبو زرعة، وعبد الله بن واصل ووثقه من ذكرنا ().

فمثل هذا لا يصح أن يطلق عليه لفظ " مجهول " لأن من عرفه وعلم (ص 111) حاله حجة على من لم يعرفه ويخبر حاله.

6 – الحسين بن الحسن بن يسار:

صاحب ابن عون، قال أبو حاتم: مجهول. وقال أحمد بن حنبل: كان من الثقات، احتج به مسلم والنسائي، وروى له البخاري حديثاً واحداً في الاستسقاء توبع عليه ().

7 – الحكم بن عبد الله:

قال ابن أبي حاتم عن أبيه: مجهول. قال الحافظ: " ليس بمجهول من روى عنه أربعة ثقات ووثقه الذهلي. ومع ذلك ليس له في البخاري سوى حديث واحد في الزكاة () أخرجه عن أبي قدامة عنه عن شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود في نزول قوله تعالى: ? الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين … ? ()، وأخرجه في التفسير من حديث غندر عن شعبة " ().

8 – عباس بن الحسين القنطري:

قال ابن أبي حاتم عن أبيه: مجهول. قال الحافظ: " ليس بمجهول إن أراد العين فقد روى عنه البخاري وموسى بن هارون الحمال. والحسن بن علي المعمري وغيرهم. وإن أراد الحال فقد وثقه عبد الله بن أحمد بن حنبل. قال: سألت أبي عنه فذكره بخير، وله في الصحيح حديثان قرنه في أحدهما وتوبع في الآخر " (). (ص 112)

9 – محمد بن الحسن المروزي:

من شيوخ البخاري لم يعرفه أبو حاتم فقال: إنه مجهول. قال الحافظ: " قد عرفه البخاري وروى عنه في صحيحه في موضعين. وعرفه ابن حبان فذكره في الطبقة الرابعة من الثقات " ().

10 – خالد بن سعد الكوفي:

مولى أبي مسعود الأنصاري، وثقة ابن معين. وقال ابن أبي عاصم: مجهول. أخرج له البخاري حديثاً واحداً في الطب () من روايته عن أبي عتيق عن عائشة في الحبة السوداء، وله عنده شواهد ().

مما سبق يتضح لنا أن الإمام البخاري لم يرو في صحيحه عن مجهول قط. وذلك لأن جهالة الراوي لا يمكن معها تحقيق عدالته، التي هي شرط في صحة الحديث، أما بالنسبة للرواة غير المشهورين فالبخاري لم يعتمد على أحاديثهم، وما يرويه لهم أحاديث يسيرة جداً لها طرق وشواهد كثيرة.) انتهى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير