? أما ما ذكرت من تصحيح الحافظ ابن كثير للإسناد فإنّه مبني على مذهبه في مجاهيل كبار التابعين حيث يعتبرهم ثقات ويُصحّح حديثهم كما يعلم من تتبّع صنيعه في التفسير وغيره [هذه مفاهيمنا: للشيخ صالح آل الشيخ ص62]، واتبعه على هذا من المتأخرين الشيخ أحمد شاكر، والجواب على هذا أنّه لا سلف لهم في هذا القول، والأصل أنَّ من بقي على الجهالة لا يُقبل حديثه أيّاً كانت طبقتهم، ولا يُستثنى من هذا إلاّ مجاهيل الصحابة رضوان الله عليهم.
? أما الكلام في مالك الدار وأنّه عدل لائتمان عمر رضي الله عنه له على الخزانة، ولتوليته القسم في عهد عثمان رضي الله عنه، فهذا حق، وأما توثيقه لقبول حديثه فليس لك فيما قلت دليل، إذ يشترط في الثقة أنْ يكون عدلاً ضابطاً، وليس ثمة دليل على ضبطه، وإنّما يوثق إذ روى عنه أحد الصحابة رضي الله تعالى عنهم أحاديث وأما روايته عنهم فلا تُقدّم ولا تُأخّر. أما توثيق ابن حبان رحمه الله فهو على درجات، قال العلامة المعلمي رحمه الله: (التحقيق أنَّ توثيقه على درجات:
الأولى: أنْ يُصرّح به كأنْ يقول "كان متقناً" أو "مستقيم الحديث" أو نحو ذلك.
الثانية: أنْ يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم.
الثالثة: أنْ يكون من المعروفين بكثرة الحديث، بحيث يُعلم أنَّ ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.
الرابعة: أنْ يظهر من سياق كلامه أنّه قد عرف ذاك الرجل معرفة جيدة.
الخامسة: ما دون ذلك.
فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم.
والثانية: قريب منها، والثالثة: مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة: لا يؤمن فيها الخلل، والله أعلم). [التنكيل: 1/ 437] وأقرّه على هذا الألباني في (تمتم المنة: 25) وغيره من أهل العلم. وإنّما ذكرت هذا لأنَّ ابن حبان رحمه الله يوثق المجاهيل كما هو معلوم وعبر عن هذا بقوله: (من كان منكر الحديث على قلّته لا يجوز إلاّ بعد السبر، ولو كان ممن يروي المناكير، ووافق الثقات في الأخبار، لكان عدلاً مقبول الرواية، إذ الناس أقوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح (فيُجرح بما ظهر منه في الجرح)، هذا حكم المشاهير من الرواة، فأما المجاهيل الذين لم يروا عنهم إلاّ الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلها) [الضعفاء: 2/ 192 - 193] وعبّر ابن حجر على مذهب ابن حبان في المجهول بقوله: (مذهب عجيب، والجمهور على خلافه، وهذا مسلك ابن حبان في كتاب الثقات الذي ألّفه) وقال الألباني عن هذا: (وقد شذَّ عنهم ابن حبان فقبل حديثه واحتج به وأورده في صحيحه) [تمام المنة: للألباني ص20 - 21] (ثم أنَّ مالك الدار لم يروِ عنه أحد من أصحاب الكتب الستة ولم يرو له كل من الإمام مالك وأحمد والدارمي). وكون البخاري وأبو حاتم وأبو زرعة لم يعرفوه يمكن أنْ يُقال أنّه ليس من الدرجة الثانية والثالثة، وحتى يتبين لنا هل هو من الخامسة أو الرابعة، نرجو منك أن تُرسل لنا كلام ابن حبان رحمه الله حرفياً من كتاب الثقات. وكذلك نطلب منك أنْ تبحث عن أسماء هؤلاء العلماء الذين وثّقوا مالك الدار وترسلهم لنا إنْ كان ذلك بالإمكان. فإنَّ عمرو عبد المنعم سليم قال في كتابه: (تيسير علوم الحديث: ص163) مُعلّقاً على كلام المعلمي السابق: (والطبقة الخامسة التي ذكرها المعلمي عامتها، إنْ لم يكن كلها مجاهيل. فلا يعتبر بتوثيقه لهم. وقد أفردنا الكلام على تعديل ابن حبان لأنَّ جماعة من المتأخرين احتجوا بتوثيقه مطلقاً دون تفريق، وهذا قصور ولاشك في البحث والتحقيق).
وأيّاً كان حال مالك الدار فإنَّ زمن وفاته غير معلوم، وكون أبا صالح روى عنه لا يفيد سماعه منه، قال صالح آل الشيخ في كتابه: [هذه مفاهيمنا: ص62] (أنَّ أبا صالح وهو ذكوان الراوي عن مالك لا يُعلم سماعه ولا إدراكه لمالك، إذ لم نتبين وفاة مالك، سيما ورواه بالعنعنة فهو مظنة انقطاع، لا تدليس) راجع ما ذكر حول عنعنة التابعي عن الصحابي المجهول.
وقال أيضاً في صفحة 62: (أنَّ تفرّد مالك المجهول به رغم عِظم الحادثة وشدّة وقعها على الناس إذ هم في كرب شديد إِسّودّ معه لون عمر يبن الخطاب إنَّ سبباً يفكّ هذه الأزمة ويرشد إلى المخرج منها مما تتداعى همم الصغار فضلاً عن الكبار لنقله وتناقله، كما في تناقلهم للمجاعة عام الرمادة، فإذ لم ينقلوه مع عِظم سبب نقله دلّ على أنَّ الأمر لم يكن كما رواه مالك، فلعله ظنه ظناً) وكلامه يتنزّل على مالك وإنْ كان ثقة فهو ليس ممن اشتهر بالرواية وراجع ما ذكر في التفرّد وتدبّر ذلك جيداً.
? وأما ما ذكرته من كون الرجل الذي لم يُسمى هو الصحابي بلال بن الحارث مستدلاً على ذلك برواية سيف المؤرخ ففيه نظر من جهتين:
الأولى: فإنَّ المؤرخ المُتكَلم فيه قد تُمشّى روايته في تحديد زمان الوقائع أو أسماء رجال أو أيام العرب أو الاستئناس بروايته، إلاّ أنّه لا يٌبل استشهاداً بروايته، ولا فيما يترتب عليه حكم شرعي، ثمَّ إنَّ بعض المتقدمين إنّها تسمّحوا وتساهلوا في الأسانيد والرجال والسماع والكتابة عنهم، كما هو بيّن لمن تتبّع كلامهم [انظر الكفاية للخطيب: ص133، باب التشدّد في أحاديث الأحكام والتجوّز في فضائل الأعمال)، وليس في كلامهم ما يدّل على التسمّح في الاستدلال والاستشهاد أو العمل بذلك، ومن أراد التوسع في هذا فعليه بكتاب: [حكم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ـ جمع وترتيب أشرف بن سعيد]، بل إنَّ عبد السلام آل عبد الكريم محقق كتاب [الصواعق المرسلة الشهابية .. ] قال في هامش ص172: (هذه الرواية باطلة لا يحل الاستشهاد بها. وذلك لأنَّ سيف بن عمر المتفرّد بهذه الزيادة ضعيف باتفاقهم).
ثانياً: ما قاله سيف لم يعد مجرد خبراً تاريخياً، وإنّما أصبح له تعلق بحكم شرعي حيث لا تقبل رواية أمثاله، وإنْ كان هذا بطريقة غير مباشرة وإنّه لفرق كبير بين أنْ يفعل مثل هذا صحابي وبين أنْ يفعله نكرة. والله أعلم.
منقوووووول
¥