تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[26 - 07 - 03, 06:38 م]ـ

الرد على من صحّح حديث مالك الدار (2)

? والآن هب أنَّ الإسناد صحيح لا غُبار عليه. فإنَّ هذا ليس بكاف لقبول الحديث إذا كان ثَمّة نكارة في المتن. ونكارة المتن تكون إمّا لمخالفته الكتاب والسُّنّة أو لركاكة في المتن بحيث يستحيل أنْ يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وإنَّ براعة المتقدمين في تقد المتون وتفوقهم على المتأخرين في ذلك لأمرٌ بيّن، وأضرب على هذا بمثال واحد، حديث: (أمتي هذه أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا، الفتن والزلازل والقتل)، صححه الحاكم والذهبي وحسّنه ابن حجر وصححه الألباني، إلاّ أنَّ البخاري رحمه الله ردّه في تاريخه معلّلاً ذلك بأحاديث الشفاعة (راجع الصحيحة رقم: 959)، ولست أقصد بنكارة المتن ما يتوهمه أصحاب العقول العفنة من العقلانيين وأهل البدع والدجل قديماً وحديثاً، حيث يردون الحديث لمجرد مخالفته لأهوائهم وضلالاتهم وبحجج واهية، وإنّما القصد بنقد المتون على طريقة المتقدمين من كبار الحفاظ من أهل السُّنّة والجماعة.

أما عن حديث مالك الدار فلفظه كآلاتي: (قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو نصر بن قتادة وأبو بكر الفارسي قالا: حدثنا أبو عمر بن مطر حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر بن الخطاب فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنّهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: "إيت عمر فأقرئه مني السلام وأخبرهم أنّهم مسقون، وقل له: عليك بالكيس الكيس". فأتى الرجل فأخبر عمر فقال: يا رب لا آلو إلاّ ما عجزت عنه)، أخرجه ابن أبي شيبة في مصنّفه 12/ 31 - 32، وساق هذا الحديث البخاري في تاريخه 7/ 304 عند ذكره لمالك الدار وابن كثير في البداية والنهاية 7/ 101. ثم إنّه كان ينبغي منك أنْ تورد المصدر الذي فيه كلام الشيخ الألباني ما دمت تناقش ما ذكره، وهو في كتاب: [التوسل أنواعه وأحكامه: ص 130].

ونُبيّن الآن ما في متن حديث مالك الدار من نكارة:

قال عبد السلام آل عبد الكريم مُحقّق كتاب (الصواعق المُرسلة الشهابية: ص 173): (أنَّ هذه القصة منكرة المتن، لمخالفتها ما ثبت في الشرع من استحباب إقامة صلاة الاستسقاء في مثل هذه الحالات. ولمخالفتها ما اشتهر وتواتر عن الصحابة والتابعين، إذ ما جاء عنهم أنّهم كانوا يرجعون إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الأموات عند نزول النوازل واشتداد القحط يستدفعونها بهم وبدعائهم وشفاعتهم. بل كانوا يرجعون إلى الله واستغفاره وعبادته، وإلى التوبة النصوح، قال تعالى: (وأنْ لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً .. ) وقال تعالى: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يُرسل السماء عليكم مدراراً .. ) وقال تعالى: (ولو أنَّ أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض…).

وفي كتاب المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان 2/ 280 بإسناد صححه الحافظ ابن حجر في الإصابة 10/ 382 عن سليم بن عامر الخبائري قال: ـ إنَّ السماء قحطت، فخرج معاوية وأهل دمشق يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فناداه الناس، فأقبل يتخطى الناس، فأمره معاوية فصعد على المنبر، فقعد عند رجليه، فقال معاوية: (اللهم إنّا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنّا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد ارفع يدك إلى الله، فرفع يديه، ورفع الناس أيديهم، فما كان أوشك أنْ فارت سحابة في الغرب كأنها ترس، وهبت ريح، فسقتنا حتى كاد الناس أنْ لا يبلغوا منازلهم).

وأبلغ من هذا فعل عمر بن الخطاب الذي كان بجوار قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيعدل عنه إلى التوسل بالعباس لكونه حيّاً قادراً ـ أخرجه البخاري رقم: 1010 ـ.

وهذا الأثر مع ضعفه ونكارته، قد خالف هذه الوقائع الصحيحة الثابتة عن خير القرون بأجمعهم. فلو كان ما تضمنه هذا الأثر صحيحاً لفعلوه ولو مرّة لبيان الجواز، ومن المعلوم أنَّ المضطر يتعلق بأدنى ما يجده لكشف ضرّه، فلما لم يفعلوا ذلك مع وجود الدافع تبيّن بطلان هذا الأثر وسقوطه) أهـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير