تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الشمس جهل عظيم؛ إذ قد يكون هناك عنب وقد لا يكون. وقد يثمر ذلك الشجر إن خدم وقد لا يثمر، وقد يؤكل عنبا وقد يعصر، وقد يسرق، وقد يزبب، وأمثال ذلك.

والدلالة الدالة على فساد هذه الصناعة وتحريمها كثيرة، وليس هذا موضعها، وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما). و [العراف] قد قيل: إنه اسم عام للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في تقدم المعرفة بهذه الطرق، ولو قيل: إنه في اللغة اسم لبعض هذه الأنواع فسائرها يدخل فيه بطريق العموم المعنوي، كما قيل في اسم الخمر والميسر ونحوهما.

/وأما إنكار بعض الناس أن يكون شيء من حركات الكواكب وغيرها من الأسباب، فهو? ـ أيضا ـ قول بلا علم، وليس له في ذلك دليل من الأدلة الشرعية ولا غيرها، فإن النصوص تدل على خلاف ذلك، كما في الحديث الذي في السنن عن عائشة ـ رضي اللّه عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال: (يا عائشة تعوذي بالله من شر هذا، فهذا الغاسق إذا وقب)، وكما تقدم في حديث الكسوف حيث أخبر (أن الله يخوف بهما عباده).

وقد تبين أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته) أي: لا يكون الكسوف معللا بالموت، فهو نفي العلة الفاعلة، كما في الحديث الآخر الذي فى صحيح مسلم عن ابن عباس، عن رجال من الأنصار، أنهم كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ رمى بنجم فاستنار، فقال: (ما كنتم تقولون لهذا في الجاهلية؟) فقالوا: كنا نقول: ولد الليلة عظيم، أو مات عظيم، فقال: (إنه لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن اللّه إذا قضى بالأمر سبح حملة العرش) وذكر الحديث في مسترق السمع. فنفي النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون الرمي بها لأجل أنه قد ولد عظيم أو مات عظيم، بل لأجل الشياطين المسترقين السمع. ففي كلا الحديثين من أن موت الناس وحياتهم لا يكون سبب الكسوف الشمس والقمر ولا الرمي بالنجم، وإن كان موت بعض الناس قد يقتضي حدوث أمر في السموات؛ كما ثبت في الصحاح: (أن العرش عرش الرحمن اهتز لموت سعد / بن معاذ)، وأما كون الكسوف أو غيره قد يكون سببا لحادث في الأرض من عذاب يقتضي موتا أو غيره، فهذا قد أثبته الحديث نفسه.

وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم لا ينافي لكون الكسوف له وقت محدود يكون فيه، حيث لا يكون كسوف الشمس إلا في آخر الشهر ليلة السرار، ولا يكون خسوف القمر إلا في وسط الشهر وليالي الإبدار. ومن ادعى خلاف ذلك من المتفقهة أو العامة فلعدم علمه بالحساب؛ ولهذا يمكن المعرفة بما مضى من الكسوف وما يستقبل، كما يمكن المعرفة بما مضى من الأهلة وما يستقبل؛ إذ كل ذلك بحساب، كما قال تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} [الأنعام: 96]. وقال تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5] وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5] وقال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189].

ومن هنا صار بعض العامة إذا رأى المنجم قد أصاب في خبره عن الكسوف المستقبل يظن أن خبره عن الحوادث من هذا النوع؛ فإن هذا جهل؛ إذ الخبر الأول بمنزلة إخباره بأن الهلال يطلع: إما ليلة الثلاثين، وإما ليلة إحدى وثلاثين فإن هذا أمر أجرى اللّه به العادة لا يخرم أبدا، وبمنزلة خبره أن الشمس تغرب آخر النهار وأمثال ذلك. فمن عرف منزلة الشمس والقمر، ومجاريهما علم ذلك، وإن كان ذلك علما قليل المنفعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير