تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما أراد علي بن أبي طالب أن يسافر لقتال الخوارج عرض له منجم فقال: يا أمير المؤمنين، لا تسافر، فإن القمر في العقرب، فإنك إن سافرت / والقمر في العقرب هزم أصحابك ـ أو كما قال ـ فقال على: بل أسافر ثقة باللّه، وتوكلا على اللّه، وتكذيبا لك، فسافر فبورك له في ذلك السفر، حتى قتل عامة الخوارج، وكان ذلك من أعظم ما سر به، حيث كان قتاله لهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. وأما ما يذكره بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسافر والقمر في العقرب، فكذب مختلق باتفاق أهل الحديث.

وأما قول القائل: إنها صنعة إدريس:

فيقال أولاً: هذا قول بلا علم؛ فإن مثل هذا لا يعلم إلا بالنقل الصحيح، ولا سبيل لهذا القائل إلى ذلك، ولكن في كتب هؤلاء هرمس الهرامسة ويزعمون أنه هو إدريس. والهرمس عندهم اسم جنس؛ ولهذا يقولون: هرمس الهرامسة، وهذا القدر الذي يذكرونه عن هرمسهم يعلم المؤمن قطعًا أنه ليس هو مأخوذاً عن نبي من الأنبياء على وجهه؛ لما فيه من الكذب والباطل.

ويقال ثانيًا: هذا إن كان أصله مأخوذا عن إدريس فإنه كان معجزة له، وعلمًا أعطاه اللّه إياه، فيكون من العلوم النبوية. وهؤلاء إنما يحتجون بالتجربة والقياس، لا بأخبار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

/ويقال ثالثا: إن كان بعض هذا مأخوذا عن نبي فمن المعلوم قطعا أن فيه من الكذب والباطل أضعاف ماهو مأخوذ من ذلك النبي. ومعلوم قطعا أن الكذب والباطل الذي في ذلك أضعاف الكذب والباطل الذي عند اليهود والنصارى فيما يأثرونه على الأنبياء، وإذا كان اليهود والنصارى قد تيقنا قطعا أن أصل دينهم مأخوذ عن المرسلين، وأن اللّه أنزل التوراة والإنجيل والزبور كما أنزل القرآن، وقد أوجب اللّه علينا أن نؤمن بما أنزل علينا وما أنزل على من قبلنا، كما قال تعالى: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136] ثم مع ذلك قد أخبرنا اللّه أن أهل الكتاب حرفوا وبدلوا، وكذبوا وكتموا، فإذا كانت هذه حال الوحى المحقق، والكتب المنزلة يقينا، مع أنها إلينا أقرب عهدا من إدريس، ومع أن نقلتها أعظم من نقلة النجوم، وأبعد عن تعمد الكذب والباطل، وأبعد عن الكفر باللّه ورسوله واليوم الآخر، فما لظن بهذا القدر إن كان فيه ما هو منقول عن إدريس؟! فإنا نعلم أن فيه من الكذب والباطل والتحريف أعظم مما في علوم أهل الكتاب.

وقد ثبت في صحيح البخاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: / آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون) فإذا كنا مأمورين فيما يحدثنا به أهل الكتاب ألا نصدق إلا بما نعلم أنه الحق، كما لا نكذب إلا بما نعلم أنه باطل، فكيف يجوز تصديق هؤلاء فيما يزعمون أنه منقول عن إدريس عليه السلام، وهم في ذلك أبعد عن علمهم المصدق من أهل الكتاب؟!

ويقال رابعا: لا ريب أن النجوم نوعان: حساب، وأحكام. فأما الحساب فهو معرفة أقدار الأفلاك والكواكب. وصفاتها ومقادير حركاتها، وما يتبع ذلك فهذا في الأصل علم صحيح لا ريب فيه، كمعرفة الأرض وصفتها. ونحو ذلك، لكن جمهور التدقيق منه كثير التعب، قليل الفائدة، كالعالم مثلا بمقادير الدقائق، والثواني، والثوالث في حركات السبعة المتحيرة {بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 15، 16]. فإن كان أصل هذا مأخوذا عن إدريس فهذا ممكن، واللّه أعلم بحقيقة ذلك، كما يقول ناس إن أصل الطب مأخوذ عن بعض الأنبياء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير