فجوابه أن يقال: كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنه أخبر بوقوعه فالإيمان به واجب، وذلك من تحقيق الشهادة بأن محمدا رسول الله، وتحقيقها من أصول الإيمان، ولا يكون المرء مؤمنا معصوم الدم والمال حتى يحقق الشهادة بالرسالة، لقول النبي صلى الله عليه وسلَّم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنه أخبر بظهور المهدي في آخر الزمان، وبخروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام، فوجب الإيمان بذلك تصديقا لقول الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى} وعملا بقول الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} وبما جاء في آيات كثيرة من الأمر بالإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلَّم، والإيمان به لا يتم إلا بامتثال أمره واجتناب نهيه، وتصديق أخباره والتمسك بسنته، وعملا أيضا بما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي تقدم ذكره.
وأما قوله: ثم كيف يملأ المسيح الدنيا عدلا بعد أن ملئت جورا؟ وهل هذا من سنة الله تعالى في الحياة الإنسانية؟ وكيف يفيض المال عند رجعة المسيح فلا يقبله أحد؟
فجوابه أن يقال: من علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه ما شاء كان، وعلم أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لا يقول إلا الحق، ولا يخبر إلا بالصدق، لم يشك في شيء مما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فيجب على المسلم أن يؤمن بكل ما جاء عن الله تعالى، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ولا يعترض على أخبار الصادق المصدوق بكيف ولم، وغير ذلك من أنواع الاستفهام الذي يدل على الشك فيما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وعدم الإيمان به. وقد قال الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}.
وأما قوله: وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل عيسى بن مريم فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الحرب).
فجوابه أن يقال: إن الكاتب قد صحف في لفظ الحديث حيث قال فيه: ويضع الحرب. والذي في الحديث: (ويضع الجزية). ومن تعمد التصحيف في أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فهو داخل في عداد الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلَّم أنه قال: (من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) ولعل الكاتب لم يتعمد التصحيف وإنما وقع منه سهوا، أو وجده في بعض الكتب التي لم تصحح من الأخطاء المطبعية.
وأما قوله: وبعد فإن هذه المرويات من الأحاديث والأخبار، في شأن رجعة المسيح عليه السلام، أو في شأن ظهور الدجال أو المهدي لا متعلق لها بالعقيدة، سواء أصحت أو لم تصح، وأن العقيدة الإسلامية قائمة على الإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والحساب والجزاء والجنة والنار.
فجوابه من وجهين:
أحدهما أن يقال: كل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فالإيمان به متعلق بالعقيدة، لأنه لا يتم الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلَّم إلا بالإيمان بأخباره، ومن لم يؤمن بأخباره فهو فاسد العقيدة، وقد تقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه أن عصمة الدم والمال إنما تكون لمن آمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلَّم.
الوجه الثاني أن يقال: إن أهل السنة والجماعة قد تلقوا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلَّم في ظهور المهدي، وخروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام بالقبول، ودونوا ذلك في كتب الصحاح والسنن والمسانيد، وذكروا مضمونه في كتب العقائد، قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في عقيدة أهل السنة والجماعة التي رواها عنه عبدوس بن مالك العطار: والإيمان أن المسيح الدجال خارج مكتوب بين عينيه كافر والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كله كائن وأن عيسى بن مريم ينزل فيقتله بباب لد. انتهى.
¥