وقال السفاريني في شرح عقيدته: نزول المسيح عيسى بن مريم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه، وقد انعقد الإجماع على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية. انتهى.
هذا ما ذكره علماء المسلمين في خروج الدجال، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان، وفيه أبلغ رد على قول الخطيب أن المرويات من الأحاديث والأخبار في شأن رجعة المسيح، أو في شأن ظهور الدجال لا متعلق لها بالعقيدة.
ومما ذكرته عن أهل العلم يتضح أن الخطيب قد خالف عقيدة أهل السنة والجماعة، وإجماعهم على خروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام، ووافق أعداء الإسلام والمسلمين من الفلاسفة والملاحدة الذين أنكروا خروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام.
وأما قوله: ولو كان من أصول الإيمان، الإيمان برجعة عيسى أو ظهور الدجال أو المهدي لجاء ذلك في القرآن الكريم صريحا محكما.
فجوابه أن يقال: كل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من المغيبات مما كان فيما مضى وما سيكون في المستقبل، فالإيمان به داخل في ضمن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلَّم، وذلك من أعظم أصول الإيمان، وقد جاء الأمر بالإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلَّم في آيات كثيرة من القرآن وكلها محكمات. والإيمان بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلَّم داخل أيضا في ضمن قول الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} وداخل أيضا في ضمن قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} وداخل أيضا في ضمن قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وهذه الآيات كلها محكمات، وكلها تدل على أن تصديق أخبار النبي صلى الله عليه وسلَّم من أعظم أصول الإيمان.
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} قال: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، ثم جعل يتلو هذه الآية: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.
وأما قوله: إن مثل هذه الأخبار تفتح على الناس أبوابا من الفتن حيث تتطلع نفوس كثيرة إلى ادعائها كما حدث من ادعاء كثيرين لأنفسهم بأنهم المهدي المنتظر فأوقعوا الفرقة والقتال بين المسلمين، وأنه ليس ببعيد أن يقوم في الناس يوما من يدَّعي أنه المسيح المنتظر فكيف تكون الحال حينئذ؟!.
فجوابه أن يقال: إن الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلَّم لا ترد بمثل هذه الاحتمالات والتعليلات الخاطئة، بل تصدق وتقابل بالقبول والتسليم، ولو افتتن بمضمونها من افتتن من الناس. وقد قال الله تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلَّم أن يقول للناس: {وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين} وهكذا يقال في الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنها تقابل بالقبول والتصديق، ولا يلتفت إلى ما يكون من أهل الفتن الذين يتأولون الأحاديث على غير تأويلها ويطبقونها على ما لا تنطبق عليه.
ويقال أيضا: إن المهدي المنتظر إنما يخرج في آخر الزمان قرب خروج الدجال وعند انتشار الفوضى والفتن، ثم ينزل عيسى عليه الصلاة والسلام فيصلي خلف المهدي أول ما ينزل كما جاء ذلك في حديث جابر الذي تقدم ذكره، ثم يذهب إلى الدجال فيقتله، وحينئذ يكون قيام الساعة قريبا جدا، وعلى هذا فمن ادَّعى من المفتونين أنه المهدي المنتظر، ولم يخرج الدجال في زمانه، فإنه دجال كاذب*، وكذلك من ادَّعى أنه المسيح بن مريم ولم يكن الدجال قد خرج قبله فإنه دجال كاذب، وللمسيح بن مريم علامتان لا تكونان لغيره من الناس:
إحداهما: أنه يقتل الدجال كما تواترت بذلك الأحاديث.
والثانية: أنه لا يحل لكافر يجد ريح نَفَسه إلا مات، ونَفَسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، كما جاء ذلك في حديث النواس بن سمعان، الذي رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: غريب حسن صحيح. وفي هاتين العلامتين قطع لأطماع كل دجال يدَّعي أنه المسيح بن مريم.
وقبل الختام أحب أن أنبه عبدالكريم الخطيب على خطورة الأمر في رد الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلَّم، سواءً كانت من أحاديث أشراط الساعة مثل ظهور المهدي، وخروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام وغير ذلك من أشراط الساعة، أو كانت من غيرها، فإن الذي يرد الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلَّم إنما هو في الحقيقة يرد على النبي صلى الله عليه وسلَّم، ولا ينسَ الخطيب قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وقول النبي صلى الله عليه وسلَّم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله).
ولعل الخطيب يراجع الحق، فإن الحق ضالة المؤمن، والرجوع إلى الحق نبل وفضيلة، كما أن التمادي في الباطل نقص ورذيلة. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في 16/ 11/1402 هـ
حمود بن عبدالله التويجري
¥