تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وخرجتُ من البحرين مِنْ قُرْبِ مدينةِ صَلا إلى مصر ماشياً، وَمِنْ مصر إلى الرملة ماشياً، وَمِنْ الرملة إلى بيت المقدس، وَمِنْ الرملة إلى عسقلان، وَمِنْ الرملة إلى طَبَرِيّة، وَمِنْ طَبَرِيّة إلى دمشق، وَمِنْ دمشق إلى حمص، وَمِنْ حمص إلى أنطاكِيَة، وَمِنْ أنطاكِيَة إلى طَرَسُوس، ثم رجعت من طَرَسُوس إلى حمص.

وَكَانَ بَقِى علىَّ شيءٌ مِنْ حَدِيث أبى اليَمَان فسمعتُ، ثم خرجتُ مِنْ حمص إلى بَيْسَان، وَمِنْ بَيْسَان إلى الرَّقَّة، وَمِنْ الرَّقَّة ركبت الفُرات إلى بغداد، وخرجتُ قبلَ خروجى إلى الشام مِنْ واسط إلى النيل، وَمِنْ النيل إلى الكوفة، كلُّ ذلكَ ماشيا.

كلُّ هذا في سفرى الأوَّل، وأنا ابنُ عشرين سنة، أجول سبعَ سنين، خرجتُ من الرَّيّ سنةَ ثلاث عشرة ومائتين، قدمنا الكوفة في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة، والمقرئ حيٌّ بمكةَ وجاءنا نعيه ونحنُ بالكوفة، ورجعتُ سنة إحدى وعشرين ومائتين، وخرجتُ المرة الثانية سنة اثنتين وأربعين، ورجعت سنة خمس وأربعين، أقمت ثلاث سنين، وقدمتُ طَرَسُوس سنةَ سبع عشرة أو ثماني عشرة وكان واليها الحسن بن مصعب))

ثم أنا أسأل من هم روّاد علم الرواية؟ ومن أينَ أُخذتْ أصول علم الرواية؟ ومَنْ الذي يحتجُ بأقوالهم وتطبيقاتهم في علم الرواية؟

إذا لم يكن شُعْبة بن الحجاج، وعبد الرحمن بن مهدي، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، أحمد بن حنبل والبخاريّ، وأبو حَاتِم روّاد هذا العلم فمن يكون!.ثم نحن أصلا نأخذ عنهم الحكم على الرواة ونصحح الأحاديث بناءا على هذه الأخكام ولا نأخذ بأقوالهم في نقد الأخبار؟

وقد أحسنَ الحافظ أحمد بن صالح في قولهِ: (معرفةُ الحديثِ بمنزلةِ معرفةِ الذهب -أو قَالَ: الجوهر-، إنما يبصرهُ أهلهُ) ثم نحن الآن نفتقر إلى الحفظ وكثير من المصنفات لم تصل إلينا وحتى لو وصلت لربما فني العمر قبل قراءتها أما أولاءك فجبال الحفظ وأوعيته قال عبد الله بنُ أحمد: قال لي أبو زُرْعة: أبوكَ يحفظُ ألْفَ ألْفَ حديثٍ، فقيل له: وما يدريكَ؟ قال: ذاكرته فأخذتُ عليه الأبواب. وقال البخاريُّ: ((أحفظُ مائةَ ألْفِ حديثٍ صحيحٍ، وأعرفُ مائتي ألْف حديثٍ غيرِ صَحيحٍ)) والأخبار في هذا تطول. إذا فنبوغ هؤلاء الأئمة لم يأتِ من فراغ إنما هو نتاج رَحَلات طويلة ومستمرة للطلب والسماع والكتابة والتصنيف مع سعة الإطلاع وفَهْم ثاقب، هذا كله باستصحاب إخلاص نادر فالحديثُ ورجالهُ وطرقهُ تجري مع أنفاسهم كما يجري الهواء .... فالحق و الحق يقال إذا قال جهبذ من هؤلاء عن حديث هو منكر أو لا يصح فهو كذلك وإن كان مالك عن نافع عن بن عمر إلا إذا خولف ممن هو في درجته أو أعلى منه فعندها يكون الترجيح فقد ذهبوا بهذا العلم وحدهم فرحمهم الله وجازاهم الله عنا كل خير

وأما هذا الحديث المذكور فهو باطل ولا تزيده كثرة الطرق إلا وهنا على وهن وأما تلفيق الأسانيد الواهية بعضها إلى بعض هذا ما علم أنه منهج الحاذقين في هذا الفن ولله در شيخ الإسلام إذ قال: (ومَنْ آتاه اللهُ علماً وإيماناً عَلِمَ أنّه لا يكون عند المتأخرين من التحقيق إلا ما هُو دونَ تحقيقِ السلفِ لا في العلم ولا في العمل) هذا و الله تعالى أعلى وأعلم وأحكم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير