أما في ما لم يُفرض عليه مثل ما نحن فيه الآن صيام عاشوراء -عرفتم- أنه يكفر السنة الماضية، ولكن ليس فرضاً، كذلك عرفة، قد يصادف عرفة أن يكون يوم السبت، هل يصام؟ لا يصام، إلا في ما افترض عليكم -الحديث صريح-.
* يوم الاثنين إذا صادف يوم عيد -كما صادف في العيد الماضي يوم خميس-، يوم الخميس -أيضاً- مِن الأيام الفاضلة التي حضّ الشارع الحكيم صيامه -أيضاً- فإذا صادف يوم عيد يوم الاثنين، أو يوم الخميس، فهل نُغَلِّب الفضيلة؟ أم النهي على الفضيلة؟
تُحل المشكلة بقاعدة علمية فقهية أصولية وهي: (إذا تعارض حاظرٌ ومبيح، قُدِّم الحاظر على المبيح).
إذا تعارض نصان -هذه قاعدة مهمة جداً- نهى عن كذا، وفعل كذا، نهى أن يتزوج بأربع، وتزوج بأكثر من أربع، نهى عن الشرب قائماً وشربَ قائماً، أشياء كثيرة وكثيرة جداً، يُغلَّب الحاظر على المبيح، الآن هنا أمام مشكلة إذا كان يوم عاشوراء يوم السبت فلا يُصام؛ لأنه ليس فرضاً.
فكما عالجنا مشكلة يوم الاثنين، أو يوم الخميس ليوم عيد غلَّبنا النّهي على فضيلة الصيام؛ لأنه عرض هذا النهي قلنا: لا نصوم يوم الاثنين ولا يوم الخميس إذا وافق يوم عيد، كذلك لا نصوم يوم السبت إذا وافق يوم فضيلة.
كثيراً ما نُسأل إنسان يصوم أفضل الصيام بنص حديث الرسول: صيام داوود -عليه السلام- يصوم يوماً، ويفطر يوماً، فقد يُصادف يوم سبتٍ، هل يصومه؟ نقول: لا؛ لأن هذا ليس فرضاً، إذن دَعْهُ.
كذلك يُصادف يوماً من الأيام البيض: ثلاثة عشرة، أربعة عشرة، خمسة عشرة، يوم سبت هل نصومه؟ الجواب: لا.
وهكذا خذوها قاعدةً واستريحوا: لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم.
فإذا اعترض عليكم معترض فأتوه مِن باب العيد، ولا محيص له عنه إطلاقاً، ولا يستطيع أحد أن يُؤْثِرَ صيام يوم العيد صادف فضيلة كيوم الاثنين أو يوم الخميس، ماذا يفعل هنا المعترض إذا كان عالماً؟ يرجع على عقبيه؛ يقول ما نصومه، لماذا؟ لأنّ الرسول نهى عن صيام يوم العيد، إذن قدم النهي على الفضيلة، هذه قاعدة مطردة فاستريحوا.
هذا الذي أردت أن أُذَكِّرَ به بمناسبة حديث أبي قتادة الذي جمع فيه فضيلة ثلاثة أيام، كيف تعالج هذه الفضائل إذا تعارضت مع نهي؟ النهي يقدم على الفضل.
ولكن قد ذكرت -سابقاً- وأعيد التذكير والذكرى تنفع المؤمنين، فأقول: قال -عليه الصلاة والسلام-: «من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه»، فالمسلم الذي ترك صيام يوم الاثنين، أو صيام يوم الخميس؛ لأنه صادف نهياً، هل ترك صيام هذا اليوم أو ذاك عبثاً أم تجاوباً مع الشارع الحكيم مع طاعة رسوله الكريم؟ مع طاعته -عليه الصلاة والسلام-، إذن؛ هو ترك صيام هذا اليوم لله، فهل يذهب عبثاً؟
الجواب: لا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه».
فأرجو أن تحفظوا عني هاتين الكلمتين، مَن عارضكم، كيف تترك صيام عاشوراء يُكفِّر السنة الماضية، ويوم عرفة يكفر السنتين من أجل هذا الحديث، يا أخي هذا حديث غريب هذا حديث شاذ!
هذا الحديث صحيح، وكل مَن يضعفه فهو الضعيف المضعّف؛ لأنه يُضعِّفُ بدون علم!
فالشاهد: فمن عارضكم، عارضوه: لماذا لا تصوم يوم الاثنين يوم عيد؟! يقول: لأنّه نهى عن صوم يوم العيد. جوابنا هو جوابك تماماً.
واحفظوا الأمر الثاني وهو: حديث الرسول: «من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه».
نحن واقعنا -الآن أو اليوم- إن كان يوم عاشوراء يوم الجمعة كما هو التقويم الأردني، فنحن سنصوم غداً؛ لأننا صمنا يوم خميس، فإننا أدركنا كفارة سنة، وإن كان كما جاءنا عن السعودية بأن عاشوراء هو يوم السبت فنحن تركناه وما خسرنا.
على كل حال، نحن كما يقول المثل الشامي: (مثل المنشار يأكل على الطالع وعلى النازل)، فنحن رَبْحَانِين سواء كان عاشوراء غداً أو بعد غدٍ؛ لأنه إذا كان غداً فنحن نصومه؛ لأننا قدَّمنا قبل يوم الجمعة يومَ الخميس، وإن كان بعد غدٍ فنحن تركناه لله، وسيعوضنا الله خيراً منه.
وقال -رحمه الله- في شريط آخر:
¥