الثاني: أنَّ الحديثَ جاء عن نافعٍ على أوجهٍ مختلفةٍ بألفاظٍ متعددةٍ، مما يدلُّك على اعتنائهِ بهذا الأمرِ و تتبعِه له، و لذا فهو يرويه بصيغٍ متنوعةٍ، حسبَ ما يقتضيه الحال، فإن كان الحال حالَ الرواية: نشط و إن كان الحال حال الحكاية و الاستشهاد: قصَّر، فتجده يقول: أخبرت، و تارة: بلغني، و أخرى: عن ابن عمر، و في حديث آخر: عن صفية .. - كما سيأتي تفصيله -، و هكذا.
الثالث: أنني لم أقف إلى ساعتي هذه على مَنْ أَعَلَّ هذه الرواية مِمَّن تقدَّم من أئمة هذا الشأن، بل الأمرُ على خلافِ ذلك:
فقد أخرج الرواية الموصولةَ و اختارَهَا: النَّسَائيُّ ـ أحَدُ أئمَّةِ النَّقد، ممَّنْ برَع في علم
العلل و برّزَ فيه ـ و لم يلتفت إلى ما عداها، و قد نصَّ جمعٌ من الأئمَّة على صحَّة ما اختاره النسائي في ((المجتبى)) دون ما علله فيه.
و نحا الزيلعيُّ نحوَ ما ذكرنا هُنا، فقد ذكرَ الحديثَ في ((نصب الراية)) (2/ 286)، ثمَّ قال: ((وهذا ذكره ابن أبي حاتم في ((علله))، وذكر في إسناده اختلافا ولم يضعفه ولا جعله منكرا)).
قلت: لم يشر ابن أبي حاتم في ((علله)) (2/ 362) للرواية الموصولة، و اكتفى برواية محمد بن بشر في سياقه للاختلاف الواقع في حديث محمد بن عمرو الآتي شرحه قريبا!
و قال النووي في ((الخلاصة)) (2/ 1043): إسناده صحيح.
و قال ابن حجر في ((القول المسدد)) ص:83: رجاله ثقات محتج بهم في الصحيح. قلت: و للحدبث طريق أخرى عن ابن عمر، و لفظه ((دخلَ رسول الله ? قبره يعني سعد بن معاذ فاحتبس فلما خرج، قيل يا رسول الله! ما حبسك قال: ضمَّ سعدٌ في القبر ضمةً فدعوتُ الله فكشفَ عنه)).
أخرجه ابن سعد (3/ 433) قال: أخبرنا محمد بن فضيل بن غزوان؛ و ابن حبان
(رقم:7034) قال: أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير؛ و
الحاكم (3/ 228) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة - وهو في ((مسنده)) - كما في ((إتحاف الخيرة)) (3/ 270) ثلاثتهم قالوا:حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر به، و لفظ ابن أبي شيبة: ((اهتز لحب لقاء الله العرش يعني السرير قال: ورفع أبويه على العرش تفسخت أعواده قال ودخل رسول الله ? في قبره فاحتبس فلما خرج قيل يا رسول الله ما حبسك قال ضم سعد في القبر ضمة فدعوت الله أن يكشف عنه)).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قلت: عطاء كان قد اختلط، و ابن فضيل ممن روى عنه بعد اختلاطه كذا قال
البوصيري في ((الإتحاف)) (3/ 270) و غيره؛ لكن لم أجد من نصَّ على ذلك سوى عبارة أبي حاتم: ((و ما روى عنه ابن فضيل، ففيه غلط و اضطراب، رفع أشياء كان يرويها عن التابعين فرفعه إلى الصحابة)) (الجرح 6/ 333).
قلت: فهي على هذا سالمةٌ من كثرةِ الغَلَطِ و الاضْطِرَابِ، و قد عُلِمَ أنَّ الضَّعيفَ من
حديث المختَلِط: ما أُنْكِرَ عليه بعدَ اخْتِلاطِه.
الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: ((إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها نجا سعد بن معاذ)).
أخرجه الإمام أحمد في ((المسند)) (رقم: 24328) و في ((فضائل الصحابة)) (رقم: 1501) و في ((السنة)) لابنه (2/ 286)، حدثنا يحيى؛ و إسحاق بن راهوية في ((مسنده)) (رقم: 1114): أخبرنا وهب بن جرير؛ و أحمد أيضا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثلاثتهم: حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن نافع عن عائشة به.
قلت:هذا إسنادٌ - في الظاهر - صحيحٌ، و لذا صحَّحه جمعٌ من أهل العلم:
قال الذهبي: إسناده قوي (السير 1/ 291)
و قال العراقي: إسناده جيد (القول المسدد ص:81)
و تبعه ابن حجر، و انظر سياق كلامه فيما يأتي قريبا.
قلت: لكن رواه محمد بن جعفر الملقب بـ: غندر عن شعبة عن سعد عن نافع عن إنسان عن عائشة: أخرجه الإمام أحمد (رقم: 24707 و 24328).
قال ابن حجر: ((وهذه الرواية تدل على أن نافعا لم يسمعه من عائشة رضي الله عنها، و ما رواه يعقوب ويحيى هو الراجح، و يمكن أن يكون نافع سمعه عن إنسان عن عائشة ثم سمعه عنها أيضا فرواه بالوجهين)) (القول المسدد ص:82).
¥