وأما من خالف، فأول من نعرفه خالف في هذا هو رزين بن معاوية العبدري في كتابه "تجريد الصحاح والسنن "، وهو الأصل لكتاب "جامع الأصول" لابن الأثير، فرزين وابن الأثير عدا سادس الكتب الستة "الموطأ" للإمام مالك لا سنن ابن ماجه.
وإنما قدم من قدم سنن ابن ماجه على موطأ الإمام مالك لكثرة زوائد ابن ماجه على الكتب الخمسة، بخلاف موطأ الإمام مالك، فإنه ليس كثير زوائده، بل قد يكون ليس له زوائد على الكتب الخمسة.
والمقصود بالزوائد: الأحاديث المرفوعة، أما بالنسبة للآثار فهذا أيضاً جعلوه من جوانب التفضيل لسنن ابن ماجه على موطأ الإمام مالك؛ لأن موطأ الإمام مالك يشتمل على موقوفات على الصحابة، ومقطوعات على التابعين، وعلى باغات؛ وهي الأحاديث التي يقول فيها ملك: بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو عن ابي بكر كذا، أي أنه يذكر الحديث بلا إسناد، وكذلك المراسيل، فإنها كثيرة أيضاً في موطأ الإمام مالك، فلهذا السبب، وللسبب السابق، وهو وجود الزيادات عن ابن ماجه – قدم من قدم سنن ابن ماجه على موطأ الإمام مالك.
أما من خالف فاعتبر موطأ الإمام مالك هو سادس الكتب الستة، فلأجل أن غالب ما ينفرد به ابن ماجه هو من الأحاديث الضعيفة، فلهذا غضوا الطرف عن سنن ابن ماجه، واعتبروا موطأ الإمام مالك هو سادس هذه الكتب.
مع العلم بأن هذا أيضاً ليس محل الخلاف؛ بل هناك من خالف واعتبر سادس الكتب الستة هو سنن الدرامي أو مسند الدرامي، وهذا أول من أثاره مغلطاي، وتبعه على ذلك العلائي، فقالوا: ينبغي أن يكون سادس الكتب الستة مسند الدرامي أو سنن الدرامي، ولكن مغلطاي زاد على ذلك، فزعم أن الدرامي من ألف في الصحيح، وأنه ممن سبق البخاري إلى التأليف في الصحيح، فهو يقول: ليس البخاري هو أول من ألف في الصحيح المجرد. وانتقده على ذلك الحافظ ابن حجر، ومن أراد أن يطلع هذا فليطالعه في كتاب "النكت".
وقد دلل ابن حجر على أن سنن الدرامي يمكن أن تعتبر صحيحة، وأن مغلطاي حينما أثار هذه الدعوى إنما اعتمد على عبارة جاءت على طرة نسخة من سنن الدرامي، فقد ظن مغلطاي أنها بخط الحافظ المنذري، وإنما هي بخط راو آخر ليس من أهل العلم الذين يعتمد على أقوالهم، ولكن خط يشبه خط الحافظ المنذري؛ لذلك لم يعد أحد سنن الدرامي مما ألف في الصحيح المجرد.
فلذلك خطأ الحافظ ابن حجر مغلطاي على مقولته هذه، مع اعتراف الحافظ ابن حجر بان سنن الدرامي أولى بالتقديم من سنن ابن ماجه؛ لأن الضعيف في سنن الدرامي أقل بكثير من الضعيف في سنن ابن ماجه.
ولكن الذي يظهر أن مثل ابن طاهر المقدسي لم يتلفت إلى سنن الدرامي لأجل احتوائها على الآثار الموقوفة والمقطوعة؛ لذلك غض الطرف عنها.
وإنما قدموا سنن ابن ماجه؛ لأنها متضمنة للحديث المرفوع ولجودة ترتيبها ولجودة سياقه للأحاديث واختصاره للمتون، ولبعض الجوانب قدمت سنن ابن ماجه مع ما فيه من الأحاديث الضعيفة، بل حتى الموضوعة، ويذكر الحافظ الذهبي أن هذا هو الذي حطّ قيمة سنن ابن ماجه عن بقية الكتب الستة، وإلا ففيها جوانب يمكن أن تفضل بها هذه السنن على غيرها.
طبعات سنن ابن ماجه:
وأختم كلامي هذا بالكلام عن طبعات سنن ابن ماجه، فأقول: طبعت سنن ابن ماجه عدة مرات، من أهمها طبعة مع شرح السندي، وهي طبعة قديمة.
والطبعة المشهورة هي التي بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، وإنما اشتهرت؛ لأنها تتلاقى مع ترقيم المستشرقين في المعجم المفرس.
وكذلك هناك طبعة أخيرة، وهي التي حققها الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، ولكن هذه الطبعة تنقص حوالي مائتي حديث عن الطبعة التي حققها محمد فؤاد عبد الباقي، وكنت قد سألته عن هذا، فقال: أنا أخذت رواية من روايات سنن ابن ماجه، وهي رواية معتمدة على نسخة موثقة صحيحة، فأردت أن يكون هذا نموذجاً من الأعمدة التوثيقية لبعض كتب السنة؛ لأنه كانت هناك مناقشة مع بعض الناس في ضرورة إعادة النظر في كتب السنة، وضرورة توثيق أصولها وضبط نصوصها، فكأن من تناقش معه أثار عليه دعوى، وقال: أنت تريد أن تشكك في أصول السنة وما إلى ذلك، فقال: إنني أردت أن أقدم نموذجاً من الفكرة التي دعوت إليها، فاخترت أصغر الكتب، وهي سنن ابن ماجه، وأخذت نسخة موثقة فنشرتها.
¥