تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الطريق الرابع: طريق الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث العبدري، مولاهم المكي، وقد تفرد عنه إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو متروك الحديث، كما قال ذلك أحمد، والنسائي. وقال ابن معين: ليس بثقة، وليس بشيء. وقال البخاري: سكتوا عنه. قال الدولابي: يعني تركوه، وقال أبو زرعة، وأبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث. (تهذيب الكمال 2/ 242، التقريب 272)، ومع ذلك فقد خالف في الإسناد والمتن، فأما مخالفة الإسناد فجعله عن صفية، عن امرأة من بني نوفل، وليس يقول ذلك أحد سواه، وأما مخالفة المتن فقد زاد فيه جملة في الدعاء في السعي، لم يأت بها في هذا الحديث أحد سواه، وهذا كله يؤكد سقوط هذه الرواية وعدم الاعتداد بها، والله أعلم.

الطريق الخامس: طريق عبد الله بن نبيه، هكذا هو في رواية الطبراني، وبتقديم الباء على النون: بنيه، في رواية ابن خزيمة، أما المستدرك ففيه: ابن أبي نبيه، وقد تفرد عنه الخليل بن عثمان التميمي، كذا نسبه في رواية الطبراني، ووقع في المستدرك: الخليل ابن عمر، وعبد الله، والخليل لم أقف لهما على ترجمة، غير أن العلامة الألباني - رحمه الله - في تعليقه على ابن خزيمة قال: و (بنيه) أظنه محرفاً من " خثيم " وهو عبد الله بن عثمان بن خثيم، ثقة معروف بالرواية عن صفية. ولم يذكر شيئاً يقوي به ظنه، ويصعب الاعتماد على مثل هذا الظن.

ومع ما في الإسناد من نكارة ففي المتن أيضاً نكارة، فقد زاد فيه قولها: حتى رأيت بياض بطنه وفخذيه، هكذا عن ابن خزيمة، وفي المستدرك: بياض إبطيه وفخذيه، واقتصر على ذكر الفخذ في رواية الطبراني، وكل هذا لم يذكر في غير هذا الطريق.

والحاصل أن هذا الطريق لا يعتمد عليه ولا يعول عليه حتى تتبين حاله، والله أعلم.

وبعد هذا كله يعلم أن أقوى طرق هذا الحديث عن صفية رواية بديل بن ميسرة، عن المغيرة بن حكيم، عن صفية، عن أم ولدٍ لشيبة، ولفظه " لا يقطع الأبطح إلا شداً " ليس فيه الأمر بالسعي.

ثالثاً: حديث بنت أبي تجراة، وقد روي عنها من طريقين، أولهما: طريق صفية بنت شيبة، وقد سبق تفصيله. وثانيهما: طريق جبرة السباعية، وهي بنت محمد بن ثابت بن سباع الخزاعية، وزوجها عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة، لها ذكر في الطبقات الكبرى، والتاريخ الكبير، والجرح والتعديل، ولم أقف على بيان حالها، (الطبقات الكبرى 5/ 495، التاريخ الكبير 1/ 51، الجرح والتعديل 7/ 216، التحفة اللطيفة للسخاوي 2/ 506) وقد روى هذا الحديث عنها راويان، أحدهما: خالد بن عبد الرحمن بن خالد ابن سلمة المخزومي، وهو متروك (التقريب 1652)، والثاني: خالد بن يزيد العمري المكي، وهو - أيضاً - متروك، تركه أبو زرعة، وكذبه ابن معين، وأبو حاتم، (الجرح والتعديل 3/ 360، الميزان 1/ 646)، وقد جعله الأول منهما عن حبيب بن أبي تجراة الخزاعي، هكذا قال، وليس بشيء، وحديث جبرة ساقط من الطريقين جميعاً والله أعلم.

إذا تبين هذا علم أن الحديث حديث صفية بنت شيبة، وأنه لا يصح إلا من طريقها، وأن أصح طرقه عنها طريق بديل بن ميسرة، عن المغيرة بن حكيم، عنها، عن أم ولدٍ لشيبة، ولفظه: " لا يقطع الأبطح إلا شداً "، وهذا المعنى الذي دل عليه هذا اللفظ، وهو الإسراع ثابت عن النبي r من غير وجهٍ في الصحيحين وغيرهما.

أما الطرق الأخرى عن صفية فكلها معلولة، وأقواها طريق معروف بن مشكان، عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه صفية قالت: أخبرتني نسوة من بني عبد الدار، وفيه قوله: " أيها الناس اسعوا، فإن السعي قد كتب عليكم " - وقد سبق القول فيه - ولم أقف على شيء يقوي نسبة ذلك إلى النبي r والطرق فيه كلها ضعيفة ومضطربة، ففي ثبوت هذا اللفظ عن النبي r نظر، والله أعلم.

هذا، وقد رأى بعض الأئمة تقوية هذه الطرق بعضها ببعض وتصحيح هذا الحديث عن النبي r وقد سبق ذكر كلام ابن عبد البر وغيره في هذا، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح بعد أن ذكر ضعف عبد الله بن المؤمل: قلت: له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة مختصرة، وعند الطبراني عن ابن عباس كالأولى، وإذا انضمت إلى الأولى قويت، ثم ذكر الاختلاف على صفية في اسم الصحابية التي أخبرتها به، وجوَّز أن تكون أخذته عن جماعة استدلالاً برواية " أخبرتني نسوة من بني عبد الدار " (الفتح 3/ 582) وقد سبقه إلى هذا التجويز البيهقي، ولكن يمنع هذا التجويز ضعف الطرق مع الاختلاف الشديد فيها، مما يبعد أن تكون صفية حدثت بذلك كله، والطريقان اللذان أوردهما الحافظ لتقوية الحديث سبق القول فيهما وبيان ضعفهما، والله أعلم.

=========================

وبعد هذا العرض، ألا يمكن أن يقال بركنية السعي فيه نظر؛ لأن هذا الحديث هو أقوى ما يستدل به القائلون بالفرضية؟

ويكون القول بالوجوب ـ وهو رواية عن أحمد اختارها ابن قدامة وجماعة من الفقهاء ـ هو القول الوسط، والذي تجتمع به الأدلة.

وبانتظار المطارحة من الإخوة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير