ولذلك عمل سليمان على إزالة هذين المنكرين جميعاً، فلما أرسل كتابه إليهم أمرهم بأمرين: هو أن يسلموا، وأن يأتوا إليه، وهددهم بقوله {ألا تعلوا علي} ولو كان متولي أمرهم رجلاً لأمرهم بالإسلام فقط وأقرهم على ملكهم إن أسلموا، وقد كان هذا في شريعته وشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم فإن النبي كان يدعو الملوك إلى الإسلام، فإن أسلموا أقرهم على بلادهم كما فعل مع ملك عمان، وملك البحرين. ومن لم يقبل من الإسلام حاربه.
وسليمان لم يكن ليقر امرأة لو أسلمت ويقرها ملكة على قومها لأن هذا مخالف لأمر الله وحكمه. ولذلك دعاها وقومها للإسلام وأن تأتي بنفسها إليه هي وقومها خارجة من ملكها قبل أن يرسل إليها من يخرجها وقومها ..
ولما تيقن سليمان أن المرأة قد جاءته مسلمة مذعنة لم يكتف بهذا بل نقل عرشها كله إليه ليسل عرشها وينهي وجود هذا المنكر في كون امرأة تتولى هذا الشأن العام وهذه الولاية الكبرى في قومها ..
ولو كان تملك امرأة جائزاً في شرع سليمان لأقرها في حكمها بعد أن أعلنت إسلامها. ولما استحل أن يأخذ عرشها من خلف ظهرها ..
وفي شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أن الكافر إذا أسلم فقد عصم ماله ودمه كما قال صلى الله عليه وسلم: [أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله] (رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن، وهو متواتر كما قال الألباني).
فدم الكافر وماله يعصم بمجرد قول لا إله إلا الله. ولو كان قالها تحت السيف. والشاهد أن سليمان عليه السلام إنما نقل عرش بلقيس إليه لأنه منكر أن تتربع امرأة على عرش ولذلك قال لمن حوله: {أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين} فقد كان يعلم أنهم استجابوا لرسالة الإسلام وقبلوا دعوة سليمان، ولم يحاربوا، ومثل هؤلاء إذا قبلوا الإسلام يجب قبوله منهم ولا يجوز غنيمة أموالهم ولا نسائهم ..
بل يجب إقرارهم على ملكهم، وعدم التعرض لشيء من أموالهم (وبسط أدلة هذا في غير هذا الموضع) وإنما الشاهد هنا بيان أن سليمان إنما أتي بعرش بلقيس مع مجيئها مسلمة إليه ليزيل هذا المنكر كلية، فيضم بلقيس الملكة إليه. وينقل عرشها كذلك إليه .. ولو لم يكن هذا منكراً لما حل له أن يأخذ عرشها غنيمة وهي مسلمة .. كيف والغنائم كذلك كانت حراماً عليه في شريعة موسى؟ فإن الغنائم لم تحل إلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ومقصد سليمان هو إزالة هذا المنكر: بقاء عرش امرأة كانت تحكم قومها ..
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[11 - 02 - 04, 07:28 م]ـ
هذا كلام يتعلق بالموضوع كنت كتبته في الملتقى قبل عدة أشهر ...
بعنوان:
هل ترد عنعنة الأعمش؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله محمد، وآله وصحبه وسلم أما بعد:
فقضية التدليس من القضايا التي كثر الخلط فيها ممن لم يعرفوا طرق الأئمة الحفاظ في التعامل معها، ومن الذي ترد عندهم عنعنته، ومن الذي لا ترد حتى يتبين أنه دلس، فوقع من هولاء ـ من غير قصد ـ جناية عظيمة على السنة وأهلها، فردوا وضعفوا كل رواية فيها الأعمش أو أبو إسحاق السبيعي أو قتادة ـ و هم ممن تدور عليهم كثير من الأسانيد ـ إذا لم يصرح بالسماع، فتراهم يقولون: هذا إسناد ضعيف فيه الأعمش وهو مدلس، وقد عنعن!! ونحوها من العبارات.
ولعلي في هذه الورقة أن أبين على عجل خطأ هذا القول بما أنقله عن الأئمة.
قال يعقوب بن سفيان الفسوي: وحديث سفيان وأبي إسحاق والأعمش ما لم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة. المعرفة والتاريخ 2/ 637.
وقال أبوزرعة الرازي: الأعمش ربما دلس. علل الحديث 1/ 14
وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن الرجل يعرف بالتدليس يحتج فيما لم يقل حدثني أو سمعت؟ قال: لا أدري. فقلت: الأعمش متى تصاد له الألفاظ؟ قال: يضيق هذا، أي أنك تحتج به. سؤالات أبي داود ص199 وشرح علل الترمذي 1/ 355.
وقال الذهبي: الأعمش يدلس، وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به، ومتى قال: حدثنا فلا كلام، ومتى قال: عن تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كـ إبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال. ميزان الاعتدال 2/ 224.
¥