واختلف فيه على ابن أبي شيبة ففي المصنف قال حدثنا وكيع بن الجراح قال حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة (غير منسوب) عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعا .... الحديث (12) وأما ابن ماجه فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير (هكذا منسوب) عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعا .... الحديث (13) وسيأتي الكلام عن هذا الاختلاف.
قلت وبالله التوفيق:
قال أبو عيسى رحمه الله تعالى (14): وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد.
قال وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال ضعف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث جدا وقال هو شبه لا شيء. قال وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة.
وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رحمه الله تعالى (15) سمعت أبي يقول لم يصح حديث عائشة في ترك الوضوء في القبلة، يعني حديث الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة، وسئل أبو زرعة عن الوضوء من القبلة فقال إن لم يصح حديث عائشة قلت به.
والذي يظهر من صنيع أبي عبد الرحمن النسائي رحمه الله تعالى تضعيفه لهذا الحديث كما في السنن (16) إذ افتتح الباب بحديث التيمي عن عائشة رضي الله تعالى عنها، ولا يخفى على أحد أنه منقطع (وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله)، ثم قال عقبه: ليس في هذا الباب أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلا.
قال أبو داود رحمه الله تعالى (17): قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن هذين يعني حديث الأعمش هذا عن حبيب وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة، قال يحيى احك عني أنهما شبه لا شيء.
وقال أبو داود رحمه الله تعالى: روي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني، يعني لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء.
ثم أشار أبو داود رحمه الله تعالى إلى صحة سماع حبيب من عروة بن الزبير بحديث حمزة الزيات.
وكذا أبو عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى قال: وهذا الحديث عندهم معلول، فمنهم من قال لم يسمع حبيب من عروة، ومنهم من قال ليس هو عروة بن الزبير وضعفوا هذا الحديث ودفعوه، وصححه الكوفيون وثبتوه لروايه الثقات أئمة الحديث له، وحبيب بن أبي ثابت لا ينكر لقاؤه عروة لروايته عمن هو أكبر من عروة وأجل وأقدم موتا، وهو إمام من أئمة العلماء الجلة (18).
وقال أبو الحسن الدارقطني رحمه الله تعالى (19) حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال سمعت يحيى بن سعيد يقول وذكر له حديث الأعمش عن حبيب عن عروة فقال: أما إن سفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا، زعم أن حبيبا لم يسمع من عروة شيئا.
قلت: وزعم هنا بمعنى قال كما هو واضح ـ ولا يخفى ذلك على من طالع الكتاب لسيبويه رحمه الله ـ، وهذه شهادة من يحيى بن سعيد القطان رحمه الله على الثوري أنه أعلم الناس بهذا الحديث. وهذا كيِّس فليتأمل
قلت: وأكثر الحفاظ المتقدمين على عدم سماع حبيب من عروة، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، وأما حديث الزيات الذي أشار إليه أبو داود رحمه الله فقد رواه الترمذي رحمه الله تعالى في كتاب الدعوات وفيه عروة هكذا غير منسوب. وقال أبو عيسى عقبه: هذا حديث حسن غريب سمعت محمدا يقول حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئا والله أعلم.
وفي المراسيل لابن أبي حاتم (20) قال أبو محمد رحمه الله: حبيب بن أبي ثابت ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: لم يسمع حبيب بن أبي ثابت من عروة. قال أبو محمد رحمة الله عليه: وكذا قال أحمد لم يسمع من عروة.
قلت: وسيورد علينا الخصم رواية أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد والإمام أحمد رحمهم الله تعالى، والتي قالوا فيها عروة بن الزبير (هكذا منسوب) وأقول في رد هذا الإيراد بعد الاستعانة بالله تبارك وتعالى:
¥