علم الله أن شوقى إلى لقاءك. كحرصى على بقاءك. وكلفى بشهودك.كشغفى بوجودك. فلك فى القلب من الحب ما زكَّاه وفاؤك. وفى الصدر من التقدير ما غذاه سناؤك. ولك الفضل دوما فى دوام المراسلة. والسبق إلى أريحية المجاملة. فداوِ تقصيرى بالصبر دون الملام. فإن الصبر ترياقُ الكرام. فمكانُك عندى لا ينكر. وعهدُك لدى لا يُخفر.
سألتنى ـ وإجابتك فرضٌ ـ أن أكتب مقدمةٍ لكتابك فى تخريج ((زوائد الأدب المفرد على الصحيحين)). وبدأتني ـ أعزَّك الله ـ من الوصف بما رفعنى عن مكاني. وكاد من الخجل يضيق صدري ولا ينطلق لساني. وحمَّلت كاهلي من المنن ما لم يستطع. وضربت لذكري في الآفاق نوبةً خليلية لا تنقطع. وسألتني مع ما عندك من المحاسن أن أجيبك وأجيزك. وأوزان بمثقال كلمي الحديد إبريزك. فتحيرت بين أمرين كليهما مُر. ووقع ذهني السقيم بين داءين كليهما ضر. فإن فعلت فأنا أذن من الظالمين. وإن امتنعت فما أنا من المتأدبين. فالإقدام جراءة. والإحجام دناءة. وقد ترجح عندي أن أجيب السؤال. وأقابل بالامتثال.
فوالذى أقسمَ بالعصر. كتابُك عليه بصمة أهلِ مصر. وفى طياته تحقيقاتٌ بارعات. ولطائف إبداعات. وإن كانت عاجلة. لكنها شاملة. وهى فى الحقَّ قصار. لكنها رياحين وأزهار.
فلله درّكِ يا مصرَ الأمصار. وموطنَ العلمِ وحملةِ الآثار. بلد الحديث المسند الموصول وأئمة الفقه وعلماء الأصول. زبدة الأقطار. وبقعة الأنوار. وخزانة الآداب. ومنزل الكملة وذوى الألباب. والكنانة المحروسة. والمدينة المأنوسة.
طيفٌ ألمَّ بسُحرة الأوقات فأثار ما فى القلب من روعاتِهْ
يا طيفُ عرِّج بالديار وحيِّ ما غذَّاه نيلُ الخير من خيراتِهْ
إن الذى قاتَ الخلائقَ صانها ___من مُرِّ أقدارٍ ومن ويلاتِهْ
أبناء مصر حفدة عمرو بن العاص السهمى. وتلامذة الليث بن سعدٍ الفهمى. أيَّدهم الله بذكاء القرائح. ومنَّ عليهم بالفهم اللائح. فهم ذوو قلوبٍ واعيه. نارٌ حامية، فما أدراك ما هيه!.
رحم المهيمنُ ناظماً بقريضه قولاً بروح القدس صار مؤيَّدا
أرضٌ إذا ما جئتَها متقلباً فى محنةٍ ردتك شهماً سيَّدا
وإذا دهاك الهمُّ قبل دخولِها فدخلتها صافحتَ سعداً سرمدا
وأما ((الأدب المفرد)). فالكتاب الذى تحاسدت الأقلام على تحريره. وتنافست مشارق الأنوار على نظم سطوره. كيف لا، وقد أضاءت أنواره بالجلالة فأشرقت. وهطلت أنواؤه بالإحسان فأغدقت. فما أبهاها روضةً أضحت النفائسُ المحمَّديَّة لها خميلة!. وما أزهاه بدراً أمست المشكاة النَّبويَّة له حميلة!. وما أبهرَها معجزةً أيَّدت حواريِّيها بمائدةٍ كانت لهم عيدا. وزادتهم مع إيمانهم إيماناً ونصراً وتأييدا.
هذا كتابُ فوائدٍ مجموعةٍ جُمعت بكدِّ جوارح الأبدانِ
وبدائمِ الإدلاج فى غَسَقِ الدجى والسيرِ بين مناكبِ البلدانِ
فهو ضالة الأريب. ومأدبة اللبيب. وصفوة العلم ونقاوة العمل. ومنتهى المأمول وغاية الأمل. وزبدة التذكير والإرشاد. وخلاصة الزاد ليوم الميعاد. فيا أيها المنتاب. لهذا الجناب. خذ من الكتاب ما أعطاك. واستخرج بفهمك ما أخطاك. فالصبح لا يُتمارى فى إسفاره. ولا يفتقر إلى دليلٍ على إشراق أنواره. وفى التصانيف مهاجرون وأنصار. وكواكبُ وأقمار. وأسودٌ وفرسان. وقلائدُ وعقيان. أما قرأت البدور السافرة. والنجوم الزاهرة. ألم تتصفح كتائبَ الأعلام الأخيار. ودرر البحار فى الأحاديث القصار. ألم يأتك نبأ عقد الجمان. وقلائد العقيان فى محاسن الأعيان.
و ((الأدب المفرد)) من لم يرو منه. ويصدر عنه. فكأنه لم يحط من الكتب إلا بالغلاف. أو تناول الكأس بغير سُلاف. فأحْسِنْ به لعاقلٍ يحسنُ العمل. وغافلٍ يفتتن بالأمل. ووَرِعٍ يسد عما رابه الذريعة. ومستشفٍ يعالج النفس الوجيعة. وكارعٍ في حياض الشريعة. وراتعٍ برياض الآداب المريعة. ومقتبسٍ من نبراس الرواية. وملتمسٍ لدقائق التأويل وحقائق الدراية. وواعظٍ ذكَّر بأيام الله وخوَّف. ومشغولٍ بلذاته طالما أخَّر المتاب وسوَّف. _
أسبغ اللَّه إمام المحدثين بوابل رحماته وشآبيب الغفران. وقدَّس ثراه وجعله روضةً من رياض الجنان. والله يقضى له ولنا بالهبات الوافرة. ويجمعنا به فى مستقر النعيم فى الآخرة)) اهـ.
مصنفات علل الحديث
¥