فَأَرَانَا آثَارَهُمْ، وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ، فَقَالَ: ((لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ))، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَلا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا، فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ)). وحَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُدَ بِهَذَا الإِسْنَادِ إِلَى قَوْلِهِ ((وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ))، ثم قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَسَأَلُوهُ الزَّادَ وَكَانُوا مِنْ جِنِّ الْجَزِيرَةِ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ مُفَصَّلاً مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ.
وتخريج طرق هذا الحديث وأشباهه مما تنفى شهود الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن طويلة مستفيضة ويحتاج يسطها إلى مقام آخر، وبها يُعلّ حديث ابن مسعود هذا بجميع طرقه المذكورة.
قال أبو الوليد بن رشد ((بداية المجتهد)) (1/ 24): ((ردَّ أهل الحديث هذا الحديث ولم يقبلوه، لضعف رواته، ولأنه قد روي من طرق أوثق من هذه الطرق أن ابن مسعود لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن. واحتجّ الجمهور لردِّ هذا الحديث بقوله تعالى ((فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا))، فلم يجعل ها هنا وسطا بين الماء والصعيد، وبقوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء إلى عشر حجج، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته)).
[الطريق الثالثة] قال الإمام أحمد (1/ 455): حدثنا أبو سعيد مولى بنى هاشم ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي رافع عن ابن مسعودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ خَطَّ حَوْلَهُ، فَكَانَ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ مِثْلُ سَوَادِ النَّخْلِ، وَقَالَ لِي: لا تَبْرَحْ مَكَانَكَ، فَأَقْرَأَهُمْ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا رَأَى الزُّطَّ، قَالَ: كَأَنَّهُمْ هَؤُلاءِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَمَعَكَ مَاءٌ))، قُلْتُ: لا، قَالَ: ((أَمَعَكَ نَبِيذٌ؟))، قُلْتُ: نَعَمْ، فَتَوَضَّأَ بِهِ.
وأخرجه كذلك الطحاوى ((شرح المعانى)) (1/ 95)، وأبو يعلى ((معجم شيوخه)) (27)، والدارقطنى (1/ 77/15،14،13)، وابن شاهين ((ناسخ الحديث ومنسوخه)) (95)، وابن الجوزى ((العلل المتناهية)) (588) و ((التحقيق فى أحاديث الخلاف)) (1/ 53/33) جميعاً من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي رافع عن ابن مسعودٍ به.
وقال أبو الحسن الدارقطنى: ((علي بن زيد ضعيف. وأبو رافع لم يثبت سماعه من ابن مسعود. وليس هذا الحديث في مصنفات حماد بن سلمة)).
قلت: هو كما قال، أبو رافع عبد الله بن رافع مولى أم سلمة مدني تابعي ثقة، ولكن لا سماع له من ابن مسعود. وإنما علة الحديث وآفته على بن زيد بن جدعان سئ الحفظ ليس بالقوى، وكان رفَّاعاً كما وصفه شعبة.
[الطريق الرابعة] قال الدارقطنى (1/ 77/16): ثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا الفضل بن صالح الهاشمي نا الحسين بن عبيد الله العجلي نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل سمعت بن مسعود يقول: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، فأتاهم فقرأ عليهم القرآن، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الليل: ((أَمَعَكَ مَاءٌ يا ابنَ مسعودٍ))، قلت: لا، والله يارسول الله، إلا إداوة فيها نبيذ، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ، وَمَاءٌ طَهُورٌ))، فتوضأ به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأخرجه ابن الجوزى ((العلل المتناهية)) (589) و ((التحقيق فى أحاديث الخلاف)) (1/ 53/34) من طريق الدارقطنى به.
وقال أبو الحسن: ((الحسين بن عبيد الله هذا يضع الحديث على الثقات)).
¥