يا أخى الكريم ((أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم)). وهاك أسئلة الأخ الكريم تنبئك عن تلك الضرورة، وتفرض هذا المتعين وتوجبه، وتكشف عن مقام السائل، وتواضعه، وتحريه لمعرفة المزيد عما عنده من العلم، والمعرفة بمصادر تخريج هاتيك الأخبار. فقد وردت الأسئلة هذا الإيراد:
(1) ورد في سنن الدارمي: حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: ((قحط أهل المدينة قحطا شديدا ..... )) الحديث.
(2) ورد في مسند أحمد: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا شرحبيل بن مدرك عن عبد الله بن نجي عن أبيه أنه سار مع علي رضي الله عنه وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين ...... الحديث.
(3) ورد في سنن الترمذي: حدثنا سليمان بن عبد الجبار البغدادي حدثنا علي بن قادم حدثنا أسباط بن نصر الهمداني عن السدي عن صبيح مولى أم سلمة عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: ((أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم)). قال أبو عيسى: ((هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه، وصبيح مولى أم سلمة ليس بمعروف)).
(4) ورد في مسند أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباسٍ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ........ الحديث.
ثم اختتم الأخ الكريم أسئلته:
(1) ببيان ما هو عليه من عقيدة أهل السنة المناوئين للمبتدعة من الشيعة وأشباههم، حيث قال مصرحاً: لست شيعياً.
(2) وبالإفصاح عن رغبته فى التعرف على صحتها، لورودها ببريده مورد الشبهات التى احتاج معها إلى البسط والإسهاب.
فكيف ظهر لك من هيئة الإيراد وحاله؛ أن السائل ـ بارك الله له، وزاده علما ـ ((رجل ليس من أهل الفن)) كما تقول؟؟!.
قلتَ: ((ولا أظنَّ تعليل الأحكام حتم لازم على المجيب إلاَّ عند الاستفسار عنها ممن يريدها إن كان أهلا لذلك، وإن لم يكن أهلا فإنها لن تزيده إلاَّ حيرة، لأن غاية مطلوب السائلين معرفة الحكم النهائي على الحديث)).
وأقول: يا أخى الكريم. ((إن الظن لا يغنى من الحق شيئاً))، فقد تعين البيان ووجب التعليل، إذ بان لغيرك من أهل العلم والإفادة ما لم يبن لك. فمما سبق بان غاية البيان وأوضحه؛ أن السائل من أهل هذا الفن، ولا يستهولنك صغرُ السن، ولا يغرنك كبرُه. وأخشاك أخى الكريم على نفسك أن تقول: وأنت أيها الشيخ الطاعن فى السن لستَ أهلاً لهذا الفن!!.
ومن لطائف التنبيه على هذا المقام، أن نذكر قول الفتى اليافع سفيان بن عيينة: ((أتيت الزهرى وفى أذنى قُرط، ولى ذُؤابة، فلما رآني جعل يقول: واسنينة .. واسنينة .. ههنا ههنا، ما رأيت طالب علم أصغر من هذا)).
وأسند الخطيب البغدادى فى ((الكفاية)) عن أحمد بن النضر الهلالي قال سمعت أبى يقول: ((كنت في مجلس سفيان بن عيينة، فنظر إلى صبي دخل المسجد، فلما رأه أهل المجلس تهاونوا به لصغر سنه، فقال سفيان بن عيينة: ((كذلك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم))، ثم قال: يا نضر، لو رأيتني ولى عشر سنين، طولى خمسة أشبار، ووجهى كالدينار، وأنا كشعلة نار، ثيابي صغار، وأكمامى قصار، وذيلى بمقدار، ونعلى كآذان الفار، أختلف الى علماء الأمصار مثل: الزهرى، وعمرو بن دينار، أجلس بينهم كالمسمار، محبرتى كالجوزة، ومقلمتي كالموزة، وقلمى كاللوزة، فإذا دخلت المجلس قالوا: اوسعوا للشيخ الصغير)). إن الشيخ الصغير اليوم، سيصير غداً مع التعهد له بالتعليم والإيضاح شيخاً كبيراً، ولا خير فى الرجل حتى يتعلم ممن هو فوقه، وممن هو مثله، وممن هو دونه.
قلتَ: ((فكم ممن يزعم أنه متخصص في الحديث يأتي بالمنكرات التي لم يلتفت إليها العلماء المتقدمين ولم يعتبروا بها فيصحح أحاديث أعلوها)).
وأقول: أما هذه، فلا أدرى على التحقيق من المقصود بها؟، وأرجو لها تفصيلاً وبياناً، إن كان لها تعلق بما نحن فيه من هذه المطارحة.
قلت: ((أما التفصيل والتنقيب في أسانيد الروايات والشواهد والمتابعات، فهذه لعشَّاق العلل والعلماء الراسخين)).
¥