تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأقول: يا أخى الكريم. لو رأيتنى وأنا أضحك لهذه المقولة، لقلت إن كنت تحبنى حقاً: أضحكَ الله سنك!. وأنا سائلك، فمشدد عليك فى المسألة: متى ولماذا اقتصر التدقيق فى العلم على العشاق والعلماء الراسخين؟؟، وكيف يتبين لنا أن السائل على هذه الوتيرة أو بخلافها؟؟.

يا أخى الكريم. هذا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، رجلٌ من أهل البادية، يقول للنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قَدْ أَجَبْتُكَ) فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ)). فما زال يسأل عن أدق مسائل العقيدة والأحكام، حتى وقع الثلجُ فى قلبه، فَقَالَ: ((آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي)). والمقصودُ قولُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ))، ماذا أفادك وما دلالته على ما نحن فيه من هذا البيان؟!.

قلت: ((ما الفائدة من العزو للذهبي في ((السِّير))، والمزيِّ في ((تهذيب الكمال))، وهما يرويان الحديث من طريق الطبراني، فإن كان في المصدرين زيادة فائدة، وإلاَّ كان العزو إليهما حشوا لا داعي له)).

وأقول: الفائدة من العزو لمثل الحافظ الجهبذ أبى الحجاج المزى فى ((تهذيب الكمال))، ربما تخفى على الكثيرين، ولكنها ظاهرة بينة لمن عنده أدنى إلمام بأنواع علوم الحديث، ومنها بل وأهمها ((الوحدان))، أعنى من ليس له إلا حديثاً واحداً، أو من لم يرو عنه إلا راوٍ واحد، وهذا مما تعلق به حديثنا الآنف ذكره. والكتاب الفخم ((تهذيب الكمال)) أحد المصادر لهذه المعرفة الدقيقة، ولعلك تعلم أن من أكثرها إفادة فى ذلك: الكتاب الفخم العظيم الفائدة ((الآحاد والمثانى)) للإمام ابن أبى عاصم النبيل. ولا أخفيك سرَّاُ لقد اعتمدت عليهما كثيراً فى كتابى ((إرشاد المحتذى إلى وحدان الترمذى)).

وثمة أمر آخر: إن تعديد مصادر التخريج ليس حشواً كما تقول، ولو اتحدت كلها فى مخرج الحديث.

فلو عمد أهل العلم بتخريج الأحاديث إلى ما أخرجه يحيى بن يحيى فى ((موطأ مالك)) (767) عن مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةُ مَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ)).

فقالوا: أخرجه كذلك أحمد (2/ 462)، والبخارى (1683)، ومسلم (1349)، والنسائى ((المجتبى)) (5/ 115) و ((الكبرى)) (2/ 322/3608)، وابن ماجه (2888)، وأبو يعلى (6657)، وابن حبان (3696)، وأبو نعيم ((المسند المستخرج)) (3139)، والبيهقى ((الكبرى)) (5/ 261) و ((شعب الإيمان)) (3/ 471/4091)، والذهبى ((معجم المحدثين)) (ص66) جميعاً من طريق مالك به.

فهل يقال حينئذ لمخرِّج الحديث بهذا البيان الوافى: لقد أتيت بحشوٍ لا داعى لذكره، وقد أرهقتنا وألغزت علينا حتى مللناك، فقد كان يكفيك أن تقول: أخرجه مالك فى ((الموطأ))!!. سبحان الله، فهذه تخريجات أهل الحديث قديما وحديثاً مليئة بمئات، بل بألوف مما يشابه ذا، فما علمنا أحدنا وصف صنيعهم بهذا الوصف. واعتبر ذلك بغرائب تخريجات محدِّث زماننا أبى عبد الرحمن الألبانى ـ طيَّب الله ثراه ـ ترى ما يُعجزُ الناظرَ من ذكر مصادر للتخريج لا تتسنى لغيره، ولا يستطيعها ولو أنفق أضعاف عمره فى التحصيل!.

وللبحث بقية إن شاء الله تعالى. وسلامى إليك أخى الكريم، وأرجو ألا تجد فى نفسك منى، جمعنى الله وإياك على محبة الحق والرضا به. وأكرر: إننى أحبك وأصطفيك. فإن بدر منى ما تتأوله على التنافر والتباعد، فأحسن بى الظن، واحمل كلامى على أحسن المحامل وأنفعها لى، ولك، ولسائر إخواننا. ((ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير