وأما الاستدلال بوقوع الاختلاف بين الأئمة فى باب الجمع والتفريق، وجعلكم إياه حجة على ترك البيان والتصريح برائٍ واضح. فهذا شبيه بقول من قال: لنا فى اختلافهم حجة فيما نحن فيه من خلاف الحق وترك الصواب، لإنهم لم يجمعوا على الحق. وسامحنى أخى، هذا مفهوم قولكم، على أننى أجزم أنكم تدينون الله بخلافه. وأما أنا فلا أرى الخلاف واسعاً مع اتفاق هؤلاء الأئمة المقتدي بأقوالهم، ولهذا جزمت من غير شكٍ ولا ارتيابٍ: أنهما واحد.
قلت: ((وأما قولكم حفظكم الله: وأنت موافقى على تصحيح الحديث من حيث الإجمال.
أقول: بارك الله فيكم، لكني حقيقة لا أوافق على صحته؛ لأني لا أرى برهانا على ذلك.
كيف وقد أعللت ما ذكرتم من المتابعة، وأما رواية أبي طلحة، فأمسكت عن الكلام عليها، تركا للإطالة لا غير، ونقلت قول ابن حجر إشارة إلى ما فيها اختصارا)).
وأقول: هذه والله الحيدة عن الفائدة التى نرجوها، فإنَّ البحث كله يدور على رواية أبى طلحة، وتقرير صحتها، فهذه كالأصل، وما عداها كالفروع، ثم تقولون: نمسك عن الكلام علي الأصل تركاً للإطالة، ثم تطيلون فى الفروع. أليس هذا عجيباً!!. ثم ما أفادكم قول الحافظ ابن حجر، ولماذا لم تنقلوه بتمامه، ألأنه على خلاف ما فهمتم منه. فقد قال فى ((فتح البارى)): ((وقد أخرج أبو داود أيضا من حديث أنس رفعه: ((أما إن كل بناء وبال على صاحبه، إلا ما لا، إلا ما لا)) أي إلا ما لا بد منه. ورواته موثقون إلا الراوي عن أنس، وهو أبو طلحة الأسدي، فليس بمعروف، وله شاهد عن واثلة عند الطبراني)) اهـ. فلو كان هذا إعلالاً، فما الداعى لذكر شاهده من حديث واثلة بن الأسقع، على أن إسنادَه واهٍ بمرة، ففيه هانئ بن المتوكل الإسكندرانى، وبقية بن الوليد وقد دلسه. فقد قال الطبرانى ((الكبير)) (22/ 55/131): حدثنا عمرو بن بن السرح المصري ثنا هانئ بن المتوكل الإسكندراني ثنا بقية بن الوليد عن الأوزاعي عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل بنيان وبال على صاحبه إلا ما كان هكذا ـ وأشار بكفه ـ، وكل علم وبال على صاحبه يوم القيامة إلا من عمل به)).
وكذلكم، لا نقركم على إعلال المتابعة التى ثبتت صحتها، كما لم نرضى عن سكوتكم على حديث الأصل، تزعمون تركاً للإطالة.
قلت: ((وقولكم حفظكم الله: (الثانى) إنما اخترتُ رواية عبد الأعلى بن عبد الله بن أبى فروة عن إسحاق، لإنها الأجود إسناداً، والأشبه بصحيح حديث الوليد بن مسلم، فقد سمعه من عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة المدني، أحد ثقات المدنيين، ممن له رواية وأحاديث عدَّة عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة. وهو أعلى وأرفع منزلة من ابنه عيسى بن عبد الأعلى، الذى عارضتَ بروايته رواية أبيه الثقة، مع إقرارك بأنه لا يدرى حالُ الابن، ولا يكاد يُعرف!!، كما قاله الحافظان الذهبى والبوصيرى.
فأقول: فيه ما يحسن التنبيه عليه تفصيلا:
أما قولكم (لإنها الأجود إسناداً)، فما أدري كيف جعلتموها الأجود إسنادا مع أنها معلة بما قد ذكرت لكم، فقد خولف راويها في إسنادها، و المخالف له ثقتان كما قد فصلت أعلاه.
قلت: لست وحدى الذى جعلتها الأجود إسناداً، فهاك هو الشيخ العلامة محدَّث وقتنا الشيخ الألبانى، والذى أوقفتننى على تراجعه عن تضعيف الحديث إلى تصحيحه، ينفى ما تزعمون أنه علة، وهذا نص كلامه ـ طيَّب الله ثراه ـ كما نقله الأخ الكريم المستكشف بعاليه: ((الرابعة: عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس به مختصرا، وفيه زيادة ((يرحمه الله)) مرتين:
أخرجه ابن ماجه (4161) قال: حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة حدثني إسحاق بن أبي طلحة ... كذا قال: ((عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة)). وقد ذكر الذهبي وغيره أنه لا يعرف، وقد جاء هكذا مسمى في حديث آخر في صلاة العيد في المسجد يوم المطر، وهو من رواية الوليد أيضا عنه، وهو مخرج في ((ضعيف أبي داود 212))، فلا أدري ممن الخطأ؟ أهو من الوليد نفسه، أم من العباس بن عثمان الراوي عنه.
¥