البيان بخطأ من قال ليس لأحدٍ أن يردَّ قول الإمام الحافظ عن حدبث تفرَّدَ به فلانُ
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[17 - 04 - 04, 03:36 م]ـ
الحمد لله الهادى من استهداه. والواقى من اتقاه. والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على محمد خير خلق الله. وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأكرمين ومن والاه. وبعد ..
إن الحكم على حديث بالغرابة ـ أعنى تفرد الراوى مطلقاً بالحديث ـ من أعقد وألغز الأحكام على الأحاديث النبوية، والأخبار المصطفوية، وذلك من جهتين:
(الجهة الأولى) أنه يتضمن معنى الإحاطة التامة، والحفظ الكامل لكل ما ورد فى السنَّة من الأحاديث، بحيث لا يغيب عمن هذه حاله حديثٌ إلا وقد عَلِمَه وحَفِظَه وأتقنه. وهذا مما لا يشك عاقلٌ أن الواقعَ يخالفه، وأحوالَ أهل الحفظ والضبط تنكرُه، إذ ليس أحدٌ من الأئمة إلا وقد غاب عنه من العلم أضعافُ ما حَفِظَ وعَلِمَ، وليس أحدُ من الحفاظ إلا وقد وهم وأخطأ، إذ الوهم والخطأ شيئان لا ينفك عنهما أحدٌ كائناً من كانَ، حاشا الأنبياء والمرسلين.
وقد أنكر علىَّ بعضُ العلماء الفضلاء حين بلغه أنى زبرت رسالةً بعنوان ((إتحاف الألحاظ ببيان أوهام الحفاظ))، ذكرت فيها جملةً من أوهام: شعبة، ومعمر، وسفيان بن عيينة، وأبى عاصم النبيل، وغيرهم من أكابر نقلة الآثار وحملة الأخبار، وشفعتها بأختها ((تفصيل المقال بأن أكثر وهم شعبة فى أسماء الرجال))، ولم يكن بعدُ فد نظر فى الرسالتين ولا قرأهما، فلما أرسلتُ إليه ببعض ما زبرته فيهما ألان لى القول وأسلم لصحة مقالى، إلا أنه نصحنى ـ أحسن الله مثوبته ـ أن أرجئ نشرهما، لغاياتٍ ومقاصد لم أنكرها عليه، فتوافقنا معاً على صحة المقال، واقتضاء الواقع والحال.
وليس ببدعٍ ولا مستحدثٍ أن يُنكر على الشيخ المسدَّد الموفِّق أبى إسحاق الحوينى المصرى ـ حفظه الله تعالى ـ صنيعه فى كتابه النافع المفيد ((تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر فى كتب الأماجد))، كما أنكر علىَّ من قبل. على أننى لا أقطع بمرَّة أنه قد أصاب فى كل المواضع مقصدَه، بل فاته من الاستدراكات الكثير، لكن حسبُه الإجادة فى الأغلب والأعم، فبارك الله له وأحسن مثوبته.
(الجهة الثانية) لم يزل العمل عند أئمة العلم بالحديث جارياً على الرد على من حكم على حديثٍ بتفرد راويه، ببيان من تابعه عليه بقولهم: لم يتفرد به بل تابعه فلانٌ وفلانٌ. ومن طالع ((صحيح ابن حبان)) للإمام الجهبذ العلامة أبى حاتم بن حبان البستى وقف على المئات من الأبواب التى يوَّبُ عليها بقوله: ذِكْرُ الْخَبَرِ المُدْحِضِ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أن هَذَا الْخَبَرَ تفرَّدَ بِهِ فُلانُ.
وأنا ذاكر من تلك الأبواب ما ينبئك عن صحة هذا المعنى، دلالةً على المراد من هذا البيان، ورداً على من زعم: أنه ليس لأحد أن يردَّ قول الإمام الحافظ عن حديثٍ تفرَّد به فلانٌ، ولا يغيبنَّ عنك أن العزو المذكور إنما هو لـ ((الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان)) للحافظ علاء الدين بن بلبان الفارسى:
[الأول] قال فى ((كتاب الإيمان)) (128): أخبرنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان حدثنا موسى بن مروان الرقي حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن حُمِيدِ بْنِ عبدِ الرَّحمنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ)).
ثم قال عقبه: ذِكْرُ الْخَبَرِ المُدْحِضِ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أن هَذَا الْخَبَرَ تفرَّدَ بِهِ حميدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ
(130): أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُونَ إِبْلَكُم هَذِه، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟)).
... *** ...
¥