الجواب عمن شَرِبَ دمَ حِجَامة رَسُولِ اللهِ من الأصحاب
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[21 - 04 - 04, 05:15 م]ـ
الحمد لله الذى جعل الدعائم للإسلام أركانا، ومحبة الرسول على الإيمان دليلاً وبرهانا، فأما الذين اهتدوا فزادهم هدىً وعرفانا، وأذاق من طغى وتكبر من العذاب صنوفاً وألوانا، وتوعده فى الآخرة ذلاً وخزياً وهوانا. فلله كم فى الإيمان بالله من زاكيات الثَّمَرْ، وفى محبة رسول الرحمن من زاهيات الزَّهَرْ، فأهله فى الدنيا مُنَعَّمون وفى الآخرة فى جناتٍ ونَهَرْ، والصلاة والسلام الأتمان على المبعوث رحمةً وهدايةً للبشرْ، ما تعاقب الليل والنهار، ودار فى فلكيهما الشمس والقمرْ. وبعد ...
فإنى بعد فراغى من كتابى ((طوق الحمامة فى التداوى بالحجامة))، وصلتنى أسئلة كثيرة تتعلق ببعض الأمور التى أجملتُ ذكرها، ولم أرد الإسهاب فى بيانها. فكان من ألطف الأسئلة الواردة: هل شرب أحد من الصحابة دم حجامة النَّبىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.
فأقول، والله المستعان. فيه ثلاثة أحاديث:
(الأول) حديث عبد الله بن الزبير، وهو أصحها:
قال أبو بكر بن أبى عاصمٍ فى ((الآحاد والمثانى)) (1/ 414/578): حدثنا محمد بن المثنى نا موسى بن إسماعيل نا هنيد بن القاسم سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير أن أباه ـ يعنى عبد الله بن الزبير ـ حدَّثه: أنه أتي النَّبىَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يحتجم، فلما فرغ، قال: ((يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه، حيث لا يراه أحد))، فلما برز عن النَّبىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمد إلى الدم فشربه، فقال: يا عبد الله ما صنعت؟، قال: جعلته في أخفى مكانٍ ظننت أنه يخفى على الناس، قال: ((لعلك شربته))، قال: نعم، قال: ((ولم شربت الدم!، ويل للناس منك، وويل لك من الناس)).
قال أبو سلمة موسى بن إسماعيل: فيرون أن القوة التي كانت في ابن الزبير من قوة دم النَّبىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأخرجه كذلك البزار (6/ 169/2210)، وأبو نعيم ((الحلية)) (1/ 330)، والحاكم (3/ 638)، والبيهقى ((الكبرى)) (7/ 67)، وابن عساكر ((تاريخ دمشق)) (28/ 164،163)، والضياء ((المختارة)) (9/ 309:307/ 267،266) جميعاً من طريق موسى بن إسماعيل ثنا هنيد بن القاسم بن عبد الرحمن بن ماعز قال سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير يحدث أن أباه حدثه أنه أتى النَّبىَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحتجم فذكره.
قلت: هذا الإسناد رجاله ثقات مشاهير رجال الصحيحين، خلا هنيد بن القاسم بن عبد الرحمن بن ماعز ليس بالمشهور، تفرد عنه أبو سلمة البصرى. وذكره ابن حبان فى ((الثقات)) (5/ 515/6010).
وقال البخارى فى ((التاريخ الكبير)) (8/ 249/2892): ((هنيد بن القاسم بن عبد الرحمن بن ماعز. رأى العداء بن خالد، وعامر بن عبد الله بن الزبير، والقاسم بن عبد الرحمن، والقاسم بن عبد الله. روى عنه: موسى بن إسماعيل))، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وكذلك ذكره ابن أبى حاتم ((الجرح والتعديل)) (9/ 121/509)، فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وقال الحافظ الهيثمى ((مجمع الزوائد)) (8/ 270): ((هنيد بن القاسم ثقة)).
وقد توبع على حديثه، ولم يتفرد ..
فقد أخرج أبو أحمد الغطريفى ((جزء ابن الغطريف)) (65)، وأبو نعيم ((الحلية)) (1/ 330)، وابن عساكر ((التاريخ)) (20/ 233و28/ 168) من طرق عن سعد أبي عاصم مولى سليمان بن علي عن كيسان مولى عبد الله بن الزبير أخبرني سلمان الفارسي: أنه دخل على رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا عبد الله بن الزبير معه طست يشرب ما فيه، فقال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما شأنك يا ابن أخي؟، قال: إني أحببت أن يكون من دم رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جوفي، فقال: ((ويلٌ لك من الناس، وويلٌ للناس منك، لا تمسَّك النار إلا قَسَمَ اليمين)).
قلت: وهذا إسناد صالح فى المتابعات. سعد بن زياد أبو عاصم مولى سليمان بن على، ذكره ابن حبان فى ((الثقات)) (6/ 378).
¥