وقال ابن أبى حاتم ((الجرح والتعديل)) (4/ 83): ((سعد بن زياد أبو عاصم مولى سليمان بن على. روى عن: سالم، وعمرة أخت نافع، ونافع مولى حمنة، وعمر بن مصعب، وكيسان مولى عبد الله بن الزبير. روى عنه: موسى بن إسماعيل، وعبد الرحمن بن المبارك، وعبيد الله بن عمر القواريرى، ومحمد بن أبى بكر المقدمي، وعبد الله بن حميد بن الأسود. سعت أبى يقول: يكتب حديثه وليس بالمتين)). يعنى: صالح الحديث، يكتب حديثه للاعتبار.
فقد قالها أبو حاتم الرازى كما فى ((الجرح والتعديل)) (2/ 426) فى بريد بن عبد الله بن أبى بردة بن أبى موسى الأشعري، وهو ثقة ممن احتج به الشيخان فى ((الصحيحين))، فأكثرا له، حتى روى له البخارى: اثنين وأربعين حديثاً.
وأخرج الدارقطنى (1/ 228/3) قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز نا محمد بن حميد الرازى ثنا علي بن مجاهد ثنا رباح النوبي أبو محمد مولى آل الزبير قال: سمعت أسماء بنت أبي بكر تقول للحجاج: إن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، فدفع دمه إلى ابني، فشربه، فأتاه جبريل عليه السلام فأخبره، فقال: ما صنعت؟، قال: كرهت أن أصب دمك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تمسك النار))، ومسح على رأسه، وقال: ((ويل للناس منك، وويل لك من الناس)).
قلت: وهذا الإسناد مما لا تقام به الحجة، لحال ابن حميد الرازى، وفيما سبقه غنية للاعتبار والاستشهاد.
(الثانى) حديث سفينة مولى أم سلمة:
قال الطبرانى ((الكبير)) (7/ 81/6434): حَدَّثَنَا علي بن عبد العزيز ثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ح وحَدَّثَنَا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري ثنا أحمد بن صالح أنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن بُرَيْهُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَفِينَةَ مولى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أبيه عن جده قال: احتجم رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: خذ هذا الدم، فادفنه من الدواب والطير والناس، فتغيبت، فشربته، ثم ذكرت ذلك له، فضحك.
وأخرجه كذلك البخارى ((التاريخ الكبير)) (4/ 209/2524)، والمحاملى ((الأمالى)) (526)، وابن حبان ((المجروحين)) (1/ 111)، وابن عدى ((الكامل)) (2/ 64 و5/ 53)، والبيهقى ((الكبرى)) (7/ 67) و ((شعب الإيمان)) (5/ 233/6489) من طرق عن ابن أبى فديك عن برية بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً. وبرية لقب إبراهيم بن عمر بن سفينة، منكر الحديث. قال ابن حبان: ((يخالف الثقات في الروايات، ويروى عن أبيه ما لا يُتابع عليه من رواية الاثبات، فلا يحل الاحتجاج بخبره بحالٍ)).
(الثالث) حديث غلامٍ حجَّامٍ لبعض قريش:
قال أبو حاتم بن حبان ((المجروحين)) (3/ 59): أخبرنا عمران بن موسى السختياني حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا نافع أبو هرمز عن عطاء عن ابن عباس قال: حجم رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلامٌ لبعض قريشٍ، فلما فرغ من حجامته، أخذ الدم فذهب به إلى ما وراء الحائط، فنظر يميناً وشمالاً، فلما لم ير أحد تحسَّى دمَه حتى فرغ، ثم أقبل، فنظر رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وجهه، فقال: ((ويحكَ ما صَنَعَتَ بالدمِ))، قال: غيَّبتُه من وراء الحائط، قال: ((أين غيَّبتَه؟))، قال: يا رسول الله نفست على دمك أن أهرقه في الأرض، فهو في بطني، قال: ((اذهب، قد أحرزت نفسَك من النَّار))
قلت: والحديث موضوع بهذا الإسناد، وإسناده تالف ليس مما تقام به الحجة. قال أبو حاتم: ((نافع أبو هرمز الجمال مولى بني سليمان. كان ممن يروي عن أنس ما ليس من حديثه كأنه أنس آخر، ولا أعلم له سماعاً، لا يجوز الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلا على سبيل الاعتبار، روى عن عطاء عن ابن عباس وعائشة نسخة موضوعة)).
قلت: ومن بواطيله وموضوعاته، ما رواه شيبان بن فروخ ثنا نافع أبو هرمز عن عطاء عن ابن عباس يرفعه قال: ((إن لإبليس مردة من الشياطين، يقول لهم: عليكم بالحجاج والمجاهدين، فأضلوهم عن السبيل)).
أخرجه هكذا الطبرانى ((الكبير)) (11/ 163/11368) قال: حدثنا يحيى بن محمد الحنائي ثنا شيبان بن فروخ به.
والخلاصة، فأمثل أحاديث شرب دم حجامة النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حديث عبد الله بن الزبير.
وقد يقال: وفيه حديث رابع، وهو حديث أبى سعيدٍ الخدرى؟.
فأقول: لكنه فى مصِّ دم النَّبىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شجةٍ بوجهه يوم أحد، وليس بدم حجامة، ولا بأس بذكره، على أنى أقطع بأن هناك بوناً شاسعاً بين نوعى الدم من الناحية الطبية التحليلية، كما أثبتته التحاليل المعملية.
فقد أخرجه الطبرانى ((الأوسط)) (9098) قال: حدثنا مسعدة بن سعد ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا عباس بن أبي شملة عن موسى بن يعقوب عن ابن الأسقع عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده: أن أباه مالك بن سنان لما أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه يوم أحد، مص دم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وازدرده، فقيل له: أتشرب الدم؟، قال: نعم، أشرب دم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالط دمي بدمه، لا تمسه النار)).
¥