(الأصح عدم اشتراط التسمية على الوضوء، وذهب إلى ذلك كثير من العلماء المحققين كابن المنذر وابن خزيمة والبيهقي وغيرهم إلى أن التسمية على الوضوء مستحبة وليست بواجبة).
أدلة هذا القول:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1) قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .. )
فالآية لم يذكر فيها الأمر بالتسمية على الوضوء فدلت على أن التسمية ليست من الفروض ولا الواجبات.
2) حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم كيف الوضوء؟ فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فغسل كفيه ثلاثاً ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً ثم غسل وجهه ثلاثاً ...... ثم قال صلى الله عليه وسلم:
(هذا الوضوء فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم). رواه أحمد و أبو داود وغيرهما،
فالحديث يدل على عدم وجوب التسمية وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في مقام التفصيل لهذا الأعرابي ومع هذا لم يأمره بالتسمية فدل على عدم وجوبها.
3) أن جميع الصحابة الذين رووا صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كحديث عثمان وعلي وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن زيد وغيرهم لم يذكر أحد منهم قط أنه سمى في أول الوضوء.
4) وهو دليل عقلي وذلك أن المطلوب في الوضوء الإسباغ، والتسمية ليس لها تعلق في الإسباغ.
وأجابوا عن حديث أبي هريرة بأنه ليس ثابتاً ولا يصلح للاحتجاج، وعلى فرض ثبوته فهو محمول على نفي الكمال لا نفي الصحة، بدليل أن الذين ذكروا صفة وضوءه عليه الصلاة والسلام لم يذكروا أنه سمى في أوله.
قال البزار بعدما صحح الحديث:
(لكنه مأول ومعناه أنه لا فضل لوضوء من لم يذكر اسم الله لا على أنه لا يجوز وضوء من لم يسم) ا. هـ.
القول الثاني:
الوجوب وهو مذهب الإمام أحمد واختارها جمع من الحنابلة وهو قول أهل الظاهر وأسحاق بن راهويه والحسن البصري.
أدلة هذا القول:
1) حديث أبي هريرة المتقدم.
2) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم طلبوا الوضوء فلم يجدوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:هاهنا ماء؟ يسألهم.فأتي به فوضع يده فيه قال أنس: (فرأيت الماء يفور من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم).
فقال صلى الله عليه وسلم:
(توضأوا باسم الله) رواه النسائي وابن خزيمة وأصله في الصحيحين لكن بدون الشاهد.
3) ماساقه البخاري رحمه الله في كتاب الطهارة في باب التسمية عند الوقاع وفي كل حال وأورد حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أن أحدكم إذا أرادأن يأتي أهله قال:
(بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ... ) الحديث.
ذكر العيني أن البخاري ساق هذا الحديث للإشارة إلى أن التسمية والذكر مشروعين في عند الوقاع الذي هو من أبعد الحالات عن الذكر فأن يكون مشروعاً عند الوضوء والغسل ونحوهما فهو من باب أولى وهذا يدل على دقة فقه البخاري رحمه الله
وهذه الأدلة التي استدلوا بها يجاب عليها بما يلي:
أما حديث أبي هريرة فقد تقدم الجواب عنه.
وأما حديث أنس فلا يدل على الوجوب بل غاية ما يدل عليه السنية
وأما حديث ابن عباس ففيه مناقشة تطول، وعلى التسليم بهذا الاستدلال فغاية مايدل عليه استحباب التسمية كذلك.
الترجيح:
استحباب التسمية وعدم وجوبها وأن من تركها عمداً أو سهواً صح وضوءه ولا إعادة عليه.
ولكن الأولى به أن يفعلها إتباعا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه وسنته وخروجاً من هذا الخلاف القوي.
فائدة:
على القول بالوجوب، فإنها تسقط عند أصحاب هذا القول في حالتين:
1) حالة النسيان.
2) حالة التأول.
والمراد من تركها معتقدا عدم وجوبها.
قال إسحاق بن راهويه وهو من القائلين بوجوبها:
(لا إعادة على من تركها ناسيا أو متأولاً).
فائدة:
أشار ابن تيمية في الاختيارات إلى ما نقل عن الإمام أحمد من أنه سئل عن التسمية:هل وهو في الخلاء يسمي؟ فذكر عنه روايتين:
إما أن يسمي سرا أو يسمي في نفسه.
فائدة في حالات التسمية:
للتسمية أربع حالات:
1) الوجوب كالتسمية عند إرسال الصيد أو عند الذبح وعند الوضوء والتيمم والغسل عند القائلين به.
2) الاستحباب كالتسمية عند قراءة القرآن وعند الأكل والشرب والجماع.
3) ليست مشروعة كالتسمية عند الصلاة وعند الحج وعند بداية الأذكار التي لم يرد فيها البدء بالتسمية.
4) مكروهة أو محرمة كالتسمية عند البدء بالمحرمات أو المكروهات كأكل الحرام.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.