وعليه يُحمل قول الحسن: " لا يحل السحر إلا ساحر "، أخرجه ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " بسند حسن.
وقوله عندما سُئل عن النشرة، فقال: " سحر "، أخرجه ابن أبي شيبة بسند حسن.
وحمل قول الحسن على ذلك القاضي عياض، فقد قال – كما في " شرح مسلم " للنووي (7/ 426) –: " وهذا محمول على أنها أشياء خارجة عن كتاب الله تعالى، وأذكاره، وعن المداواة المعروفة التي هي من جنس المباح ". أهـ.
وإلا فالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة، مستحبة على ما عليه الجمهور، وقد تكون واجبة في بعض الأحيان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عباد الله تداووا ".
والحديث صحيح، أخرجه أحمد في " مسنده " (4/ 378)، والبخاري في " الأدب المفرد " (291)، وأبوداود في " سننه " (4/ 3 / 3855)، والنسائي في " السنن الكبرى " (4/ 368)، والترمذي في " سننه " (4/ 383 / 2038)، وابن ماجه في " سننه " (2/ 1137 / 3436)، والحميدي في " مسنده " (824)، والطيالسي في " مسنده " (1232)، وابن أبي شيبة في " مصنفه " (5/ 31 / 23417)، وابن حبان في " صحيحه " (13/ 426 و 428/ 6601 و 6604 – إحسان)، وابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " (3/ 140 / 1467) و (5/ 128 / 2668)، والطحاوي في " شرح المعاني " (4/ 323)، والطبراني في " المعجم الكبير " (1/ 179 – 184)، وفي " المعجم الصغير " (1/ 337 / 559 – الروض)، وابن عدي في " الكامل " (5/ 33)، والخطيب في " تاريخ بغداد " (9/ 179)، وابن عبدالبر في " التمهيد " (5/ 281)، والبيهقي في " السنن الكبرى " (9/ 343)، وفي " السنن الصغرى " (3919 و 3920)، وفي " شعب الإيمان " (2/ 200 / 1529)، وابن حزم في " المحلى " (4/ 176) و (10/ 444)، وفي " حجة الوداع " (191)، والضياء في " المختارة " (4/ 168 – 175)، وفي " كتاب الأمراض والكفارات " (30)، والبغوي في " شرح السنة " (12/ 138، 139).
من طرق عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك، مرفوعاً.
قال الترمذي: " حديث حسن صحيح "، وهو كما قال.
وأما قول سعيد بن المسيب الذي علقه البخاري في " صحيحه " (10/ 243 – فتح).
ووصله الأثرم في " سننه " – ومن طريقه ابن عبدالبر في " التمهيد " (6/ 243) –، وسعيد بن منصور في " سننه " – كما في " التغليق " (5/ 50) –، وأبوالقاسم البغوي في " الجعديات " (948)، وأبوإسحاق الحربي في " غريب الحديث "، وابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار ".
من طرق عن قتادة، قال سمعت سعيد بن المسيب يقول في النشرة: " لا بأس بها "، قال: قلت: أحدث به عنك؟ قال: " نعم ".
وصحح ابن حجر إسناده في " التغليق " (5/ 49)، وهو كما قال.
فمثل هذا يُحمل على النوع الثاني من النشرة، وهذا من إحسان الظن بمثل هذا الإمام.
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في " فتح المجيد " (ص 421): " وهذا من ابن المسيب يُحمل على نوع من النشرة لا يُعلم أنه سحر ". أهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في " القول المفيد " (1/ 444): " ولكن على كل حال حتى ولو كان ابن المسيب، ومن فوق ابن المسيب ممن ليس قوله حجة يرى أنه جائز، فلا يلزم من ذلك أن يكون جائزاً في حكم الله حتى يعرض على الكتاب و السنة، وقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال " هي من عمل الشيطان ". أهـ.
وعلى ذلك يُحمل أيضاً قول الشافعي – كما في " تفسير القرطبي " (1/ 564) –: " لا بأس به ".
وقد قال – تعالى –: {ولكن الشيطان كفرا يعلمون الناس السحر}، وقال: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر}، وهذا يقتضي أن الساحر كافر، وفي المسألة خلاف، والراجح تفصيل، فإن كان يقتضي الكفر؛ كفر، وإن لم يقتضيه لم يكفر، وتسميته كفر في الآية الأولى؛ لأنه السحر المتعلم من الشياطين، وفي الآية الثانية؛ لأنه المتعلم من هاروت وماروت، وعلى ذلك فيكون السحر المتعلم من هاروت وماروت، والشياطين كله كفر، وأما باقي أنواع السحر فإن تضمنت شركاً كانت شركاً، وإن لم تتضمن فهي حرام.
والحاصل – كما قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في " فتح المجيد " (ص 423) –: " أن ما كان منه بالسحر فيحرم، وما كان بالقرآن والدعوات والأدوية المباحة فجائز ".
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
وكتب / أبوالمنهال محمد بن عبده آل محمد الأبيضي.
صبيحة السبت 25 ربيع الأول 1425 هـ، الموافق 15 مايو 2004 م.