يمكن الجمع بين الرواياة الوارد بأن رواية مسلم أصح لأنها أقوى سندا، والرواية الأخرى أقل منها صحة
ويمكن الجمع بينهما أيضا بأن الرجل قد ذهب للتبرد في الركي وهي البئر والمدينة مليئة بالنخيل كما هو معلوم فقد يكون حصل أنه صعد النخلة ورآه علي ثم جلس في الركي وطلب منه أن يمد يده
وأما من ناحية الصناعة الحديثية لحديث علي رضي الله عنه فقد اختلف في وصل هذا الحديث وإرسالة
وفي علل الدارقطني ج 4 ص 58:
وسئل عن حديث عمر بن علي بن أبي طالب عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم الشاهد يرى مالا يرى الغائب فقال هو حديث يرويه الثوري عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب فأرسله يحيى القطان عن الثوري عن محمد بن عمر عن جده علي وأسنده أبو نعيم عن الثوري فقال عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي واختلف عن أبي نعيم والمرسل أصح) انتهى.
ورواه محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن علي عن أبيه عن جده موصولا
وقد ذكر تصريح ابن إسحاق بالسماع عند البخاري في التاريخ الكبير وعند ابن منده في معرفة الصحابة
وأكثر الذين رروه عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق لم يذكروا تصريح ابن إسحاق بالسماع
و قال أبو نعيم بعد إخراجه للحديث مطولا (3/ 177 - 178) (وهذا غريب لايعرف مسندا بهذا السياق إلا من حديث محمد بن إسحاق) انتهى.
وقال البزار في مسنده بعد أن رواه (وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه متصل عنه إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد) انتهى.
فحديث محمد بن إسحاق حديث غريب وسياقه مخالف لما في صحيح مسلم ولذلك استغرب هذا الحديث منه البزار وأبو نعيم.
فحديث مسلم مقدم عليه، والله تعالى أعلم.
فائدة:
وقال الطحاوي في بيان المشكل
حدثنا أبو القاسم هشام بن محمد بن قرة بن حميد بن أبي خليفة قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي قال: حدثنا أحمد بن داود قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي الكوفي قال: حدثنا يونس بن بكير , عن محمد بن إسحاق , عن إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام، عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كان قد تجرؤوا على مارية في قبطي كان يختلف إليها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انطلق، فإن وجدته عنده فاقتله "، فقلت: يا رسول الله , أكون في أمرك كالسكة المحماة، وأمضي لما أمرتني لا يثنيني شيء أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: " الشاهد يرى ما لا يرى الغائب " , فتوشحت سيفي، ثم انطلقت، فوجدته خارجا من عندها على عنقه جرة، فلما رأيته اخترطت سيفي، فلما رآني إياه أريد، ألقى الجرة، وانطلق هاربا، فرقي في نخلة، فلما كان في نصفها، وقع مستلقيا على قفاه، وانكشف ثوبه عنه، فإذا أنا به أجب أمسح ليس له شيء مما خلق الله عز وجل للرجال، فغمدت سيفي، وقلت: مه قال: خيرا، رجل من القبط وهي امرأة من القبط، وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحتطب لها، وأستعذب لها، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: " الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت " ,
فقال قائل: وكيف تقبلون مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره عليا عليه السلام بقتل من لم يكن منه ما يوجب قتله، وأنتم تروون عنه صلى الله عليه وسلم قال: فذكر ما قد تقدم ذكرنا له في كتابنا هذا من قوله: " لا يحل دم امرئ إلا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو نفس بنفس " وها لم يقم عليه حجة بأنه كانت منه واحدة من هذه الثلاث خصال
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه:
أن الحديث الذي احتج به يوجب ما قال لو بقيت الحكام على ما كانت عليه في الوقت الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول، ولكنه قد كانت أشياء تحل بها الدماء سوى هذه الثلاثة الأشياء فمنها: من شهر سيفه على رجل ليقتله، فقد حل له به قتله ومنها: من أريد ماله، فقد حل له قتل من أراده، وكانت هذه الأشياء قد يحتمل أن يكون كانت بعد ما في الحديث الذي حظر أن لا تحل نفس إلا بواحدة من الثلاثة الأشياء المذكورة فيه، فيكون ذلك إذا كان بعده لاحقا بالثلاثة الأشياء المذكورة فيه، ويكون الحظر في الأنفس مما سواها على حاله وكان في حديث القبطي الذي ذكرنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام، إن وجد ذلك القبطي عند مارية، قتله، يريد: إن وجده في بيته، فلم يجده عندها في بيته، فلما لم يجده في بيته، لم يقتله، ولو وجده فيه لقتله كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم به فكان من الأشياء التي ذكرنا منها الشيئين اللذين ذكرناهما مما في شريعته صلى الله عليه وسلم: أن من وجد رجلا في بيته قد دخله بغير إذنه حلال له قتله، وكذلك منها: من أدخل عينه في منزل رجل بغير أمره ليرى ما في منزله، حل له فقء عينه، وكذلك روي عنه صلى الله عليه وسلم في الذي اطلع في بيته من جحر فيه من قوله له: " لو أعلم أنك تنظر، لطعنت به يريد مدرى كان في يده في عينك " ومن قوله: " من اطلع على رجل في بيته، فحذفه، ففقأ عينه، فلا جناح عليه " ومن قوله: " من اطلع على قوم ففقئوا عينه، فلا قصاص له ولا دية " وقد ذكرنا ذلك كله فيما تقدم في كتابنا هذا، وكان مثل ذلك: من دخل ببدنه بيت رجل بغير إذنه، حل له قتله، فبان بحمد الله عز وجل ونعمته أن لا تضاد في شيء من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا خروج لبعضها عن بعض، والله عز وجل نسأله التوفيق *
¥