9 - أبو داود الطيالسي (ثقة ثبت): كما أخرج هو نفسه في مسنده (37): (حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت الأسود بن يزيد يحدث عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ النجم بمكة وسجد فيها وسجد من كان معه غير شيخ أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال يكفيني هذا قال عبد الله فلقد رأيته قتل كافرا يوم بدر).
فهؤلاء جمع من الأكابر الثقات و جلهم من الأثبات المتقنين يتابعون غندر على روايته هذا الحديث و القصة واحدة، عن شعبة، متفقين على جعل الإسناد عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن الأسود عن ابن مسعود رضي الله عنه، و ليس في رواية أحد منهم هذه الزيادة المنكرة.
قلت: أما رواية عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة ففيها نظر كبير، بل هي مردودة من وجوه:
الأول: أن قول الطبري بعد أن ساق الإسناد " ثم ذكر نحوه " تحتمل ذكر أصل القصة دون زيادة الغرانيق و تحتمل أصلها مع الزيادة، و هذا الأقرب حسب السياق، لكن مع الاحتمال يبطل الاستدلال.
الثاني: و هو أقوى منه، أن الإمام مسلما أخرج القصة في صحيحه (و قد مضت قريبا) من طريق محمد بن المثنى عن غندر دون ذكر للزيادة المنكرة، لا عن عبد الصمد كما في رواية الطبري، و رواية الصحيح أثبت و أولى، و هي المحفوظة الموافقة لما أخرجه الثقات كما سبق بيانه.
الثالث: و هو الأقوى، أنه تبين بما لا شك فيه أن المحفوظ في رواية غندر هو ما جاء في الصحيحين دون ذكر للزيادة المنكرة، فلا أساس بعدئذ لمتابعة عبد الصمد بن عبد الوارث لرواية شاذة بل منكرة
ثم إنها مخالفة لما رواه الجمع الغفير من الثقات عن شعبة دون ذكر لقصة الغرانيق، و هو الصواب.
و لا شك أن مثل عبد الصمد بن عبد الوارث لا يقوى على مخالفة أحد الثقات المذكورين، فكيف بهم مجتمعين؟
فهل بقي لمرسل سعيد بن جبير قوة يُتمسك بها؟
و بعد هذا كله، نقول إن شعبة رحمه الله لم يتفرد به، بل تابعه على روايته عن أبي إسحاق السبيعي، جمع من الثقات، منهم:
سفيان الثوري رحمه الله (أحد الجبال الأثبات): فيما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/ 388):
(ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن بن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد المسلمون الا رجل من قريش أخذ كفا من تراب فرفعه إلى جبهته فسجد عليه قال عبد الله فرأيته بعد قتل كافرا).
و إسرائيل بن يونس (حفيد أبي إسحاق و من أثبت الناس فيه): فيما أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 364): (حدثنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم قال فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد من خلفه إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافرا وهو أمية بن خلف).
قلت: هذا هو الصحيح و بهذا يعلم أن الذين تمسكوا بمرسل سعيد بن جبير لم يستقصوا كل الطرق فقالوا بصحة الطريق إلى سعيد بن جبير تماشيا مع ظاهر السند، ثم بنوا على هذا الوهم وهما آخر و هو تقويته بمراسيل أخرى، و لا تتقوى بحال، فالرواية بالزيادة المذكورة منكرة عن سعيد بن جبير لا ريب في ذلك، و المنكر أبدا منكر كما قال الإمام أحمد، فأنى له القوة؟.
و يسقط أخيرا مرسل سعيد بن جبير فلا يمكنهم بعد هذا البيان بفضل الله، أن يتمسكوا به و هو أقوى ما كان عندهم.
ثم إن الصحيح من روايات ابن عباس رضي الله عنهما هو ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (1/ 364): (حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن عكرمة عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس).
و أخرجه أيضا: الترمذي في الجامع (2/ 464) و ابن حبان في صحيحه (6/ 469) و الطبراني في المعجم الكبير (11/ 318) و الدارقطني في سننه (1/ 409) و البيهقي في السنن الكبرى (2/ 314)
و البغوي في معالم التنزيل (4/ 257) من الطريق الصحيحة نفسها.
قلت: هذا هو الصحيح ينطق علينا بالحق من روايات ابن عباس رضي الله عنهما فهل فيها من زيادة تُنكر و القصة واحدة و الحادثة نفسها؟ كلا و الله.
¥