بل تأمل الرواية، فإنها قوية البيان في سجود المسلمين و المشركين لما قرأ النبي صلى الله عليه و سلم بالنجم ثم سجد، و لا غرابة في هذا، إذ تواتر عن مشركي قريش شدة تأثرهم عند سماع القرآن حتى منع أبو بكر الصديق رضي الله عنه من قراءته، و قالوا " لاَ تَسمَعوُا لهَذا القُرآنِ و الغوا فِيه لعلكم تغلبون ".
و بعد شهادة صحابيين كبيرين (ابن عباس و ابن مسعود رضي الله عنهما) و هما أعلم الصحابة بكتاب الله، نقول أن هنالك شاهدا آخر من صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو راوية الإسلام الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه:
أخرج الشافعي في مسنده (156) و الإمام أحمد في المسند (2/ 304) و البيهقي في السنن الكبرى (2/ 321) و في معرفة السنن و الآثار (رقم 1201) و الطحاوي في شرح المعاني (1/ 353) و أبو القاسم البغوي في الجعديات (406) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين قال أرادا الشهرة ").
قلت: و سنده جيد رجاله ثقات.
و قد اختلفت الروايات عن أبي هريرة رضي الله عنه، لكن الصحيح ما أثبتناه و بهذا جزم أحد أئمة العلل أبو حاتم الرازي فيما قاله ابنه عبد الرحمن في العلل (1/ 165): (سألت أبي عن حديث رواه أبو كريب عن وكيع عن ابن أبي ذئب عن خالد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال مرة عن ابن ابي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد في النجم.
ورواه الليث بن سعد عن ابن أبي ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا رواه الوليد بن مسلم وعبد العزيز بن محمد عن ابن أبي ذئب. قال أبي: هذا الصحيح).
قلت: و هنالك شاهد آخر فيما أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/ 420) و اللفظ له و من طريقه النسائي في المجتبى (2/ 160) و في الكبرى (1/ 331) و الحاكم في المستدرك (3/ 734) و البيهقي في السنن الكبرى (2/ 314) من طريق إبراهيم بن خالد قال حدثنا رباح عن معمر عن بن طاوس عن عكرمة بن خالد عن جعفر بن المطلب بن أبي وداعة عن أبيه: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة سورة النجم فسجد وسجد من عنده فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد ولم يكن أسلم يومئذ المطلب وكان بعد لا يسمع أحدا قرأها إلا سجد).
و توبع رباح عن معمر، تابعه عبد الرزاق فيما أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد و المثاني (2/ 110)
و الطبراني في الكبير (20/ 288).
قلت: هذا سنده جيد رجاله ثقات عدا جعفر بن المطلب:
ترجم له ابن أبي حاتم و البخاري في كتابيهما و لم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا.
و ذكره ابن حبان في الثقات.
و روى عنه جمع: عبد العزيز بن رفيع و سعيد بن كثير و عكرمة بن خالد.
و زاد ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار عنه: (من متقني أهل مكة وكان فاضلا).
و روايته هنا عن والده (صحابي أسلم عام الفتح رضي الله عنه) و هو أعلم الناس به، فهو من التابعين و لم يأت بما يستنكر، بل يشهد له ما رواه الثقات في الصحاح و غيرها، فمثله يحسن حديثه على أقل تقدير في هذا الخبر.
قلت: و قد يتشبث بعضهم بما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه من طريق آخر فيما أخرجه الضياء في المختارة (10/ 234): (أخبرنا أبو القاسم بن أحمد بن أبي القاسم الخباز أن أبا الخير محمد بن رجاء بن ابراهيم أخبرهم ابنا أحمد بن عبد الرحمن ابنا أحمد بن موسى بن مردويه حدثني ابراهيم بن محمد حدثني أبو بكر محمد بن علي المقرىء البغدادي ثنا جعفر بن محمد الطيالسي ثنا ابراهيم بن محمد بن عرعرة ثنا أبو عاصم النبيل ثنا عثمان بن الأسود عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى و شفاعتهن ترتجا ففرح المشركون بذلك وقالوا قد ذكر آلهتنا فجاءه جبريل فقال اقرأ علي ما جئتك به قال فقرأ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تلك الغرانيق
¥