ـ[أبو حاتم المقري]ــــــــ[20 - 05 - 04, 06:44 م]ـ
أخي الفاضل عبد الرحمن الفقيه:
إننا نبحث مسألة سجود النبي صلى الله عليه و سلم عندما قرأ النجم و سجد معه المسلمون و المشركون:
فهذه واقعة واحدة، وردت فيها مجموعة من الروايات:
المجموعة الأولى: روايات موصولة صحيحة عن جمع من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم بعضها جاء في أصح كتابين بعد كتاب الله، لم يرد في شيء منها ما سمي بقصة الغرانيق، بل حسبها أنها ذكرت أن النبي صلى الله عليه و سلم سجد بالنجم و سجد معه المسلمون و المشركون.
و هذا الأصل الذي تجاكم إليه كل الروايات في هذا الباب.
المجموعة الثانية: روايات كلها مراسيل و معاضيل و في جلها مقال، لم يرد شيئ منها في الصحاح و لا السنن، و فيها جاءت تلكم القصة.
فهل نحكم لهذه المراسيل مع ما فيها و لا حجة في مفرداتها على فرض صحتها، لا سيما مع اختلاف المخارج، و نغفل ما ورد في الروايات الموصولة الصحيحة عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم؟
و لسنا بصدد ذكر ما ورد في تفسير الآية الكريمة، فذلكم أمر آخر و ما ذكره الأئمة في تفسيرها هو الصواب الذي لا إشكال فيه عندي و لو صحت القصة رواية لكان ما قيل تأويلا صحيحا لا إيراد عليه.
هذا إجمالا أما تفصيلا، فنقول و بالله التوفيق:
1/ مرسل سعيد بن جبير بزيادة قصة الغرانيق لا يصح بحال، و رده إلى رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الواردة في الصحيح دون الزيادة هو الصواب الموافق لما جاء عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم بالأسانيد الجياد.
ذلكم أن الحادثة واحدة، و مدار الرواية شعبة بن الحجاج رحمه الله تعالى و قد اختلف عليه:
أ- فجاءت الرواية عند الطبري: عن محمد بن بشار بندار عن محمد بن جعفر غندر عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير مرسلا.
بـ – و أصح منها ما جاء في صحيح البخاري: عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: هكذا موصولة صحيحة.
و تابع محمد بن بشار على هذه الرواية الصحيحة، محمد بن المثنى كما في صحيح مسلم.
فالصواب من رواية محمد بن بشار، و من ثم من رواية غندر عن شعبة هو ما جاء في البخاري و مسلم من الطريق الثانية الصحيحة الموصولة الموافقة لما جاء عن الجمع م نالصحابة رضوان الله عليهم
و هذا في نفسه يرد رواية سعيد بن جبير المرسلة، فما بالك إذا زدنا أن غندر توبع عن شعبة على الرواية الصحيحة الموصولة دون زيادة قصة الغرانيق. تابعه جمع من الأكابر الثقات:
كيحيى القطان و حفص بن عمر و سليمان بن حرب و خالد بن الحارث و أبو الوليد و أبو داود صاحبا الطيالسة و يزيد بن هارون و غيرهم كثير.
فهل يقصر هؤلاء في ترجيح رواية شعبة الموافقة لما جاء في الروايات الصحيحة عن أولئك الجمع من الصحابة رضوان الله عليهم؟
و هل يكفي مثل عبد الصمد بن عبد الوارث في مواجهة ذلكم الجمع من الأثبات؟
ثم هل يمكن أن نقول أن شعبة حدث هكذا و هكذا بعد ذلك، و قد تابعه كبار الحفاظ في روايته عن أبي إسحاق عن الأسود عن ابن مسعود رضي الله عنه؟ تابعه:
سفيان الثوري: جبل الحفظ و الإتقان.
و إسرائيل: حفيد أبي إسحاق و من أثبت الناس في جده.
فلا أشك بعد هذا أن مرسل سعيد بن جبير رحمه الله تعالى لا يصح بحال من الأحوال وهو أقوى ما تمسك به من جعل للقصة أصلا.
2/ أما و قد ذهبت الركيزة الأساس فهل يبقى لباقي المراسيل و المعضلات ذكر؟ و مع ذلك نقول:
- أما مرسل قتادة بل معضله فضعيف منكر لا حجة فيه (يراجع إعلالنا له في أصل للبحث).
- و أما عن مرسل عروة بن الزبير فمنكر لا يلتفت إليه.
- و أما عن مرسل القرظي فمنكر لا حجة فيه.
- و أما مرسل الزهري بل معضله فهباء كما جزم به النقاد (يراجع كلام النقاد في أصل البحث).
و أما مرسل أبو العالية فلا حجة فيه و كلامنا فيه في خصوص هذه الرواية و غيرها مما لم يشده مسند و لم يخالف الروايات المسندة الصحيحة. أما و قد خالف فهو رياح كما قال النقاد.
و أما عن مرسل أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، فابن إسحاق حجة في المغازي و مخالفته لها وزن فطريقه هي الصواب في نقدنا لأنها لا تخالف رواية صحيحة، بل تعل الرواية المرسلة (ابتداءا)، بدليل أن ابن إسحاق لو صفى له عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث لصاح بها.
و نظرنا لهذه الرواية كان في ضوء الروايات الصحيحة للحادثة.
فماذا يبقى من المراسيل؟
3/ حتى على فرض التسليم بصحة مرسل أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث و أبي العالية:
هل شروط الأئمة في تقوية المراسيل بعضها ببعض متوفرة فيها؟
ماذا عن اختلاف المخارج؟
و ماذا عن المخالفة للروايات الصحيحة عن ذلكم الجمع من الصحابة رضوان الله عليهم و الحادثة واحدة؟
أنى لهم القوة.
4/ لندفع فرض التسليم أبعد من ذلك و نقول أن الشروط متوفرة، و دونه مفاوز، فهل تقوى على مخالفة الروايات الصحيحة التي أوردناها عن ابن عباس و ابن مسعود و أبي هريرة و المطلب بن أبي وداعة رضوان الله عليهم دون ذكر لتلكم الزيادة؟
اللهم لا.
أما بعد، فالصحيح في سجود النبي صلى الله عليه و سلم عندما قرأ النجم و سجد معه المسلمون و المشركون هو ما ورد عن ذلكم الجمع من الصحابة موصولا مرفوعا و بعضها في الصحاح دون ذكر لقصة الغرانيق.
أما عن هذه القصة فالراجح بعد هذه الدراسة أنها باطلة روايةً.
و آخر ما أقوله في هذا المقام و أعتبره آخر تدخل لي في هذه المسألة:
إن طرحنا للمسألة كان سبيله المدارسة و المباحثة، و قد اتضحت إن شاء الله كثير من أدلتها، و حسبنا أننا بينا ما نراه صوابا فيها فإن أصبت فمن الله و نحمده على نعمه التي لا تحصى، و إن أخطأت فمن نفسي و من الشيطان و أستغفر الله إنه غفور رحيم.
و أزيد فأقول، أخي عبد الرحمن: إن ما تعلمته منك أكثر مما تعلمته مني.
أسأل الله تبارك و تعالى أن يوفقنا لما يحب و يرضى إنه سميع مجيب.
و آخر دعوانا أن الحمد لله.
و الله أعلى و أعلم.
و السلام عليكم و رحمة الله.
أخوكم: أبو حاتم المقري.
¥